«تمييز دبي» تُقر مبدأ قانونياً حاسماً في بيع أراضي «المنح»
في سابقة قضائية، نقضت الهيئة العامة لمحكمة التمييز في دبي، بأغلبية قضاتها التسعة، حكماً قضت به محكمة الاستئناف بعدم سماع دعوى تطالب بردّ أرض ممنوحة من صاحب السمو حاكم دبي إلى ورثة مواطن باعها إلى آخر منذ 27 عاماً.
وقررت أن مؤدى النصوص القانونية مجتمعة في هذه الدعوى يفيد باستحالة تنفيذ عقود بيع الأراضي الممنوحة للمواطنين في إمارة دبي، سواء كانت قبل صدور قرار سمو الحاكم بحظر التصرف فيها دون إذن سموه، أو بعد صدور القرار.
وتعد هذه العقود لا أثر لها، وتفقد صفتها كسند ملكية، ومن ثم لا يجوز لواضع اليد عليها التمسك بمرور الزمان المانع من سماع الدعوى المقامة من الشخص الذي منحت له الأرض أو ورثته.
وتفصيلاً، شهد نزاع قضائي حول أرض ممنوحة من صاحب السمو حاكم دبي لمواطن تحولات لافتة في مراحل التقاضي الثلاث، إذ قضت محكمة أول درجة ببطلان عقد البيع وإلزام المدعى عليه (المشتري) برد الأرض إلى ورثة البائع، كونها منحة لا يجوز التصرف فيها إلا بإذن من سمو الحاكم، وألزمته بتسليمها خالية من الأشخاص والإشغالات.
من جهته طعن المشتري ضد الحكم أمام محكمة الاستئناف، عازياً طعنه إلى مرور أكثر من 15 عاماً على عملية البيع، ما يلغي حق الطرف الآخر في المطالبة القانونية، فقبلت المحكمة الطعن وقضت لمصلحته بعدم سماع الدعوى لمرور الزمان، مستندة في ذلك إلى المادة 210 من قانون الأحوال المدنية.
وانتقلت الدعوى بعد ذلك إلى محكمة التمييز التي شهدت سجالاً قانونياً، وذكر وكيل الورثة (الطاعنين) المحامي بدر عبدالله خميس، في مذكرة الطعن، أن الطلب الرئيس لموكليه في الدعوى ليس بطلان العقد المبرم بين والدهم والمدعى عليه في عام 1994، لكن تمسكوا بإثبات بطلان العقد كدفع قانوني لرد أرضهم، والدفوع لا تسقط بالتقادم بحسب القانون.
وأوضح في مذكرته أن المادة 210 من قانون الأحوال المدنية تنص على أن العقد الباطل لا يترتب عليه أثر، ولكل ذي مصلحة أن يتمسك ببطلانه، لافتاً إلى أن المادة ذاتها وإن نصت على أنه لا تسمع دعوى البطلان بعد مضي 15 سنة من وقت إبرام العقد فإن لكل ذي مصلحة أن يدفع ببطلان العقد في أي وقت، بمعنى أن دعوى البطلان المطلق للعقد لا تسمع في جميع الأحوال إذا انقضى 15 سنة على إبرامه، لكن الدفع بهذا البطلان لا يسقط بالتقادم لأن العقد الباطل يظل معدوماً ولا ينقلب صحيحاً مع الزمن.
وأشار إلى أن المادة الأولى من تعليمات صاحب السمو الحاكم بشأن الأراضي الممنوحة لمواطني إمارة دبي لعام 1994 تنص على أنه يحظر التصرف بأراضي المنحة بالبيع أو الرهن أو المبادلة أو الاستثمار أو الإجارة لمدة تزيد على ثلاث سنوات دون موافقة من سموه، وهذا ما لم يثبته المدعى عليه.
وأثبت خميس أن موكليه لم يعلموا بعقد البيع والتنازل المؤرخ في الثاني من أغسطس 1994 الذي استند إليه المطعون ضده، إلا عندما تم نقل ملكية الأرض إليهم بعد وفاة والدهم في عام 2014 بموجب شهادة الملكية الصادرة عن دائرة الأراضي والأملاك، ومن ثم يكون التاريخ الأخير هو تاريخ الاستحقاق، وليس تاريخ إبرام العقد من طرف والدهم مع المدعى عليه، الأمر الذي يجعل حكم محكمة الاستئناف بعدم سماع الدعوى مشوباً بالخطأ في تطبيق القانون، مطالباً بنقض هذا الحكم وتسليم الأرض المتنازع عليها، وأداء بدل ريعها خلال فترة غصبها من قبل المطعون ضده والمقدر بنحو أربعة ملايين و400 ألف درهم.
من جهتها، ذكرت الهيئة العامة لمحكمة التمييز برئاسة القاضي عبدالقادر موسى محمد، في حيثيات حكمها، أنه وإن كان تاريخ العقد قد سبق التعليمات الصادرة من صاحب السمو حاكم دبي بتاريخ الثاني من سبتمبر 1994 المنشورة في الجريدة الرسمية بتاريخ 18 نوفمبر 1994 بشأن بطلان التصرف في الأراضي الممنوحة للمواطنين بغير إذن سموه، وأن التصرفات التي سبقت هذا التاريخ لا يلحقها البطلان، إعمالاً للقاعدة العامة بعدم سريان التشريع بأثر رجعي، بيد أنه لما كانت أحكام تلك التعليمات متعلقة بالنظام العام، فإنه يتعين إعمالها بأثر فوري مباشر من تاريخ العمل بها، وتطبيقها على الآثار التي تترتب عليها، أي أنه لا يجوز تسجيل أو نقل ملكية هذه الأراضي بعد هذا التاريخ طالما لم يوثق العقد أو يسجل رسمياً قبلها، أو يثبت صدور إذن خاص من صاحب السمو الحاكم، وهذا لم يتحقق في الدعوى حتى لو كان العقد صحيحاً، لأنه بحسب المادتين 1275 و1277 من قانون المعاملات المدنية، وما جرى به قضاء محكمة التمييز، فإن ملكية العقارات والحقوق العينية العقارية الأخرى لا تنتقل بين المتعاقدين إلا بتسجيل العقود.
وأشارت محكمة التمييز إلى أن المادة 1321 من قانون المعاملات المدنية نصت على أنه «ليس لأحد التمسك بمرور الزمان المانع من سماع دعوى الملك المطلق، إذا كان واضعاً يده على عقار بسند غير سندات التمليك».
وأكدت أن مؤدى تلك النصوص مجتمعة، أنه يستحيل تنفيذ عقود بيع الأراضي الممنوحة للمواطنين في إمارة دبي، سواء كانت قبل صدور قرار سمو الحاكم بحظر التصرف فيها دون إذن سموه، أو بعد صدور القرار، وتعد هذه العقود لا أثر لها، وتفقد صفتها كسند ملكية، ومن ثم لا يجوز لواضع اليد عليها التمسك بمرور الزمان المانع من سماع الدعوى المقامة من الشخص الذي منحت له الأرض أو ورثته.
وانتهت الهيئة إلى أنه يحق لورثة صاحب الأرض في هذه الدعوى التمسك ببطلان العقد، ولا ينال من طلبهم التقادم، وإذا خالف الحكم المطعون ضده الصادر من محكمة الاستئناف هذا النظر فإنه يعد معيباً بما يستوجب نقضه، لذا قضت المحكمة بنقض الحكم وإحالة الدعوى إلى محكمة الاستئناف لتقضي فيها من جديد.
– محكمة الاستئناف قضت بعدم سماع دعوى تطالب بردّ أرض منحة إلى ورثة مواطن باعها إلى آخر منذ 27 عاماً، و«تمييز دبي» نقضت الحكم.