طلب استعمال الرأفة
نسمع يومياً هذه العبارة في أروقة المحاكم، خصوصاً قاعات الجنايات والجنح، وهي طلب المتهم أو هيئة الدفاع من المحكمة استعمال أقصى درجات الرأفة في الحكم، وربما نتساءل: ما درجات الرأفة؟ وما شروطها؟
تطرق قانون العقوبات في مواده إلى الأعذار القانونية والظروف التقديرية المخففة للعقاب، وهي حالات يجب على القاضي، أو يجوز له، أن يحكم من أجل الجريمة بعقوبة أخف في نوعها من المقررة لها في القانون، أو أدنى في مقدارها من الحد الأدنى الذي يصيغه القانون. وعلى ذلك، في تقدير المشرع أن العقوبة التي يقررها قد تكون لحالات خاصة أشد مما ينبغي، ولذلك وضع السلطة للمحكمة في تقديره من النزول إلى الحد الأدنى للعقوبة.
«التخفيف شُرع لتحقيق الملاءمة بين العقوبة وظروف خاصة، ويعد بذلك تمكيناً للقاضي لاستعمال أصوب لسلطته التقديرية». |
ويقصد بتخفيف العقاب أن يستبدل القاضي العقوبة المقررة قانوناً للجريمة بعقوبة أخف منها نوعاً ما ومقداراً، ويلاحظ أن أسباب التخفيف نوعان هما: «الأعذار القانونية المخففة، والظروف القضائية المخففة».
والفرق بينهما أن التخفيف عند توافر العذر القانوني إلزامي للقاضي، في حين أنه جوازي عند توافر الظروف القضائية المخففة.
ومن الأعذار المخففة للعقاب حداثة سن المجرم، أو ارتكاب الجريمة ببواعث غير شريرة، أو بناء على استفزاز خطير صدر من المجني عليه بغير حق.
وإذا رأت المحكمة في جناية أو جنحة أن ظروف الجريمة أو المجرم تستدعي الرأفة، جاز لها تخفيف العقوبة. أما إذا اجتمع في الجنحة ظرف مخفف وعذر مخفف فللمحكمة أن تحكم بالعفو القضائي عن المتهم.
وعلى ما تقدم، فإن التخفيف شرع لتحقيق الملاءمة بين العقوبة وظروف وحالات خاصة، ويعد بذلك تمكيناً للقاضي لاستعمال أصوب لسلطته التقديرية، فلا يتغير نوع الجريمة إذا استبدلت المحكمة بالعقوبة المقررة لها عقوبة من نوع أخف، سواء كان لعذر قانوني أو لظروف تقديرية مخففة، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.
والاعتبارات السابقة التي يسترشد بها القاضي في استعمال سلطته التقديرية في تحديد العقوبة ليس لها طابع إلزامي وإنما هي متروكة لحسن تقدير المحكمة، لاسيما أن المتهم له ملجأ لطلب استعمال الرأفة، وهو المحكمة، التي تستمع لأي دفع منه، أو طلب، أو استرحام، إذ إنها الملاذ الأخير والآمن لإبراز طلبه وإجابته في ظل قاضٍ عادل ورحيم.