خادمات: لا نتخيل الحياة من دون مخدومينا
قضت خادمات عقوداً طويلة في منازل أسر إماراتية، كأفراد في تلك الأسر، فلم يشعرنَ بغربة أو ظلم على مرّ السنوات التي قضينَها، واللواتي أكدنَ لـ«الإمارات اليوم»، أننا «تلقينا منذ اليوم الأول أفضل معاملة، وربينا الأطفال، كأنهم أبناؤنا، من فرط محبتنا لذويهم، ولا نتخيل الابتعاد عن أسر مخدومينا».
فيما روت أمهات مواطنات، أنهنّ لم يتعاملنَ مع خادماتهنّ باعتبارهنّ من الفئات المساعدة، وكنَّ كأفراد في الأسرة، لهن حقوق، وعليهنَ واجبات، مشيرات إلى أن المعاملة الجيدة تأتي دائماً بمردود إيجابي.
فرد من أفراد الأسرة في منزل مدير إدارة التدريب بالإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية في شرطة دبي، المقدم أحمد المري، تعيش لونا ميركالي، فلبينية، منذ 15 عاماً، وتقول لـ«الإمارات اليوم»، حين قدمت إلى المنزل كان الابن الأكبر عمره عام. وأضافت «تعلمت كل شيء في المنزل، وشعرت من اليوم الأول بأنني فرد من أفراد الأسرة، التي عاملتني أفضل معاملة، وكانت تحترم عاداتي ومعتقداتي الدينية، ما جعلني أكثر قرباً منهم، وحرصاً على الأطفال». وأشارت إلى أن ربّ المنزل كان يكلف السائق بنقلي صباح كل أحد إلى الكنيسة لممارسة شعائري الدينية، وكانت الأسرة لا تفوت مناسبة من دون تهنئتي، ما أشعرني دائماً بأنني محظوظة بوجودي بينهم. وتابعت ميركالي «أحب هذه العائلة لدرجة أنني لا أتخيل ابتعادي عنها في يوم ما، ولدي قناعة بأن هذا منزلي، وهؤلاء أهلي الذين أعتزّ بهم». |
وتفصيلاً، وصلت «مالاه» إلى الإمارات، وهي في عمر الـ18 عاماً، لتعمل في منزل أسرة مخدومتها (أم محمد) منذ 25 عاماً، ولا تعلم ما الذي ينتظرها في الدولة، موضحة أنها بدأت بالعمل في منزل (أم محمد)، ولم تذهب لأي منزل آخر، ولم تعرف أسرة غيرها في الدولة.
وأكملت «ربتني (أم محمد) كواحدة من بناتها، وعلمتني كل شيء في المنزل من ترتيب وتنظيف، واعتمدت عليّ في كل شيء، ولم أرد أن أرجع بسرعة إلى سيلان، لأنني أحببت العيش هنا بين أسرة (أم محمد) وإخوتي في الإمارات، وتمكنت من خلال عملي في منزل (أم محمد) أن أزوج أبنائي الثلاثة، وأضمن لهم الحياة الكريمة في سيلان».
وأضافت أنها «تعود إلى أسرتها سنوياً لمدة شهرين، لتطمئن على أحوالهم وأخبارهم، لكنها كانت دائماً تحاول قطع فترة إجازتها لتعود إلى أسرتها الأخرى، التي لا تطيق أن تبقى بعيدة عنها، مشيرة إلى أن (أم محمد) لا تعيش مع أي من أبنائها الآن، ولا تحب أن تغيب عنها لفترات طويلة.
ومن جانبها، قالت (أم محمد)، إنها استقدمت «مالاه» منذ أكثر من 25 عاماً، ولا تذكر التاريخ المحدد الذي قدمت فيه، لكنها تذكر أن «مالاه» قدمت وهي فتاة صغيرة جداً، ولا تعرف الشيء الكثير عن العوائل في الدولة، «ربيتها مع أطفالي، وعلمتها كل شيء في عمل المنزل، لتساعدني وتقوم هي بدور أم البيت، ولا أريد أن أفقدها الآن، أو أن تعود وتتركني».
وأضافت أن خادمتها «مالاه» مقربة منها، وتعتمد عليها في كل شيء، ولا تريد أن تخسرها بعودتها إلى دولتها أو استبدالها بواحدة أخرى غريبة عنها.
وفي قصة أخرى، قالت «نادية»، التي قدمت إلى الدولة في مطلع التسعينات، إنها تحاول إعالة أسرتها في الهند، من خلال عملها في الدولة، في منزل (أم خالد)، موضحة أنها تساعدها في أمور المنزل منذ أن قدمت، وشاركت في تربية أبنائها الثلاثة، موضحة «لا أريد العودة الآن، لأن أكثر أبنائي تزوجوا والمنزل خالٍ، وأعتبر الإمارات بلدي، أبناء (أم خالد) أبنائي، وأريد أن أبقى حتى يتزوجوا ويذهبوا إلى منازلهم».
وأضافت أن عائلة (أم خالد) لا تناديها باسمها الأول، بل دائماً ما تطلق عليها لقب (ماما نادية)، باعتبارها أمهم الثانية، التي تحاول أن تسدّ الفراغ عندما تذهب والدتهم إلى العمل، موضحة أنها أكملت 20 عاماً كاملة، وهو عمر «خالد»، الابن الأكبر في العائلة، ومع كبر سنّها لا تستطيع القيام بكل الأعمال السابقة، وعندما اقترحت عليها (أم خالد) أن تعود إلى بلدها وتتكفل هي بمرتبها حتى بعد عودتها، رفضت، وقالت إنها ستبقى معهم وستحاول العمل، «أردت أن أرى أبنائي هنا متزوجين، وفي بيوتهم قبل عودتي إلى الهند».
وتابعت «لم أستطع الوفاء بوعدي بالعمل بعدها، ومن ثم طلبت قبل عامين من (أم خالد) استقدام ابنتي من الهند لتساعدني في أعمال المنزل، ووافقت (أم خالد) على استقدامها، وعرضت علي بعد أن حكيت قصة أبنائي أن تستقدم ابني الأصغر سنّاً لتساعده في إيجاد عمل له في الدولة»، مضيفة أن ابنتها حالياً هي المسؤولة عن خدمة الأسرة، وابنها السائق للأبناء الصغار.
وفي المقابل، روت (أم خالد) قصة استقدام خادمتها «نادية» قبل 20 عاماً، عندما ولد ابنها الأكبر، موضحة أنها كانت تعيش وحيدة في منزلها، ووالدتها توفيت وبحاجة إلى العمل الحكومي، فكان لابد لها من استقدام خادمة من الجنسية الهندية في ذلك الوقت، مضيفة أنها لم تتوقع أن تبقى «نادية» معهم طوال الـ20 عاماً التي تلتها.
وأوضحت (أم خالد) «اعتقدت أنني سأحتاج إلى الخادمة في سنوات عمر طفلي الأولى، وبعدها سأتمكن من التوفيق بين العمل والمنزل وتربيته، ولن اضطر إلى الاستعانة بها، إلا أن نادية بقيت معنا أربع سنوات في ما بعد، ومن ثم رزقت بابني الثاني، واحتجت لبقائها معنا فترة أطول»، مضيفة أن «نادية»، خادمتها منذ أكثر من 20 عاماً، بقيت كمربية لأبنائها الثلاثة، وتساعدها في أعباء المنزل كل حتى أصبح اسمها «ماما نادية».
وأكملت أن «ماما نادية» هي المسؤولة عن المنزل بأكمله، وهي المسؤولة عن نظافته، «نعتمد عليها في كل شيء، إذ إن المنزل تحت تصرفها متى شاءت، ونستفسر منها عن كل شيء، سواء الأغراض الناقصة، وصولاً إلى فاتورة الكهرباء»، مفيدة «نادية استطاعت مساعدتي على تربية جميع أبنائي، وهم يحبونها كثيراً، ويحترمونها ويحاولون قضاء وقتهم معها بعد أن كبرت في السنّ».
وأضافت أنها بعد أن أكملت الـ20 عاماً في الدولة وقضاء هذه الفترة الطويلة في العمل لا تستطيع أن تقضي بقية عمرها تقدم الخدمة بالنشاط ذاته، «حاولنا أن نقنعها بالعودة إلى بلدها وأبنائها، لكنها رفضت، لأنها تريد أن تزوج أبناءها الثلاثة في الإمارات قبل أن تتركهم»، مضيفة أنهم استشاروها في استقدام خادمة أخرى، فطلبت منهم أن تحضر ابنتها إلى الدولة لتساعدها في العمل ولتبقى معها بعد أن كبرت، فوافقوا على أن تعمل ابنتها عندهم، واستقدموا ابنها الوحيد ليصبح سائق العائلة.