4 متعافين من الإدمان يحــدِّدون 3 شروط للإقلاع عن المخـــدِّرات
قرر أربعة شبان مواطنين، لا يزيد عمر أكبرهم على 31 عاماً، أن يبذلوا جهدهم لمساعدة المدمنين على التخلص من هذه الآفة القاتلة، بعدما عبروا هم أنفسهم تجربة الإدمان المريرة، وتشافوا منها، فحمل كل منهم راية التطوع، من خلال انضمامهم إلى مركز «عونك»، التابع لهيئة تنمية المجتمع، وانطلقوا في رحلتهم الشاقة لمساعدة المدمنين على التعافي، وتأهيل المتعافين للعودة إلى الحياة، والعيش بشكل طبيعي.
فرصة جديدة تمنى الشباب الأربعة، المشاركون في اللقاء، أن يصل صوتهم عبر «الإمارات اليوم» إلى الجهات المعنية في الدولة، لإعطائهم فرصة جديدة من خلال تسليمهم التصاريح والأوراق الثبوتية المطلوبة، حتى يتمكنوا من الانخراط في عجلة الإنتاج، والعمل. وقالوا إنهم يمنعون من دخول بعض الأماكن لتقديم محاضرة، أو للمشاركة في ندوة توعوية عن مخاطر الإدمان، بسبب عدم حصولهم على موافقة من الجهات المختصة. |
لكنهم أكدوا، لـ«الإمارات اليوم»، أن ذلك لم يأتِ إلا بعدما دفع كل منهم ثمناً باهظاً من صحته وماله وعلمه وعمله وحياته الأسرية والاجتماعية، على امتداد أعوام، إذ لم تقل مدة التجربة الأقصر من بين تجاربهم الأربع عن ثماني سنوات.
وقالوا إن هناك ثلاثة شروط لا يمكن من دونها أن ينجح الإقلاع عن الإدمان، هي، اولا: الإرادة المبنية على وعي كامل بما يحف بالإدمان من مخاطر صحية واجتماعية. وثانيا: تهيئة المحيط الإيجابي الذي يضمن الخروج من التجربة القاسية بأقل ما يمكن الخسائر. وثالثا: تأمين ظروف تسمح لهم باستعادة مواقعهم في الأسرة والحياة، والتحول الى أشخاص منتجين.
وأضافوا أنهم خلصوا بعد معاناة طويلة مع المرض إلى أن استخدام العقاقير الطبية في علاج الإدمان سبب رئيس في عدم الشفاء، بل هو سبب للوقوع في شَرَكه أكثر فأكثر، لافتين إلى أن أدوات المواجهة والنجاح في التصدي له تتطلب ثقافة ومعرفة وعلماً بتفاصيله وأسراره، مؤكدين أن الإدمان «مرض خبيث»، كلما استسلمت له ازداد شراسة وفتكاً.
وحذر الشباب، الذين التقتهم «الإمارات اليوم»، للاستماع إلى تفاصيل معاناتهم وتجربتهم مع المرض، من أن الإهمال وغياب الرقابة المتزنة من الأهل، والتشتت العائلي، تهيئ البيئة المثالية لانجراف الابن إلى طريق الإدمان، كما أن اهتمام الأهل وتساهلهم الزائد، أو قسوتهم، وشدتهم العمياء، لا تقلّ خطورة عن الغياب والإهمال، إذ تقود كثيراً من الشباب إلى المصير نفسه.
حكاياتهم تتشابه إلى حد كبير، فكل منهم عاش سنوات طويلة من فقدان الأمل والضياع وانحلال الإنسانية عن الروح والجسد، سهيل، مثلاً، عاش سنين متنقلاً من عيادة إلى عيادة، ومن مستشفى إلى آخر، لكنه لم يحصل إلا على كميات هائلة من الأدوية، حتى استطاب المهدئات والمنومات التي وصفها بـ«المخدرات القانونية»، لكنه لم يتلقَّ أي مساعدة شافية، حسب كلامه.
بدأت قصة سهيل مع الإدمان في مرحلة مبكرة، حيث نشأ في عائلة لديها تاريخ في الإدمان، ما ضاعف معاناته، إذ ظل محاصراً لسنوات بإخوانه وأبناء عمه المدمنين، وحينما قرر التعافي من إدمانه، الذي تسبب له في جلطة وشلل أقعده ستة شهور على كرسي متحرك، ناهيك عن إصابته بالسكري والكبد الوبائي، ترك وزوجته منزل العائلة، ليبتعد عن محيطه، ولم يرجع إليه إلا بعدما سجن إخوته بسبب الإدمان.
وقال سهيل، الذي قضى 17 عاماً محاولاً التعافي، إن استخدام الأدوية وسيلة للعلاج قضى على أي أمل لديه في الشفاء، وحوله إلى شخص مسلوب الإرادة تماماً، إلا من إرادة المراوغة والخداع التي اكتسبها من أجل إقناع الأطباء النفسيين بأنه مريض، ويحتاج إلى أدوية مخدرة.
وأضاف أن خبرته مع الأطباء، واستخدامه الحيل والأكاذيب معهم، جعلا منه مدافعاً ضليعاً في حجج القانون أيضاً، حتى أنه صار يقنع القضاة أنفسهم بأنه مريض ولم يرتكب الجرائم التي كان يقترفها تحت تأثير المخدرات.
ووفقاً لروايته، فهو لم يكمل سنة كاملة خارج السجن طوال 17 عاماً، إذ عوقب على أنواع مختلفة من القضايا، تشمل شروعاً بالقتل، وجرائم خطف واغتصاب، وقضايا أخرى كثيرة متعددة.
أما جواد، فنشأ وحيداً، إلا من جدته التي رعته وربته، من دون أن تدرك حجم المصيبة التي وقع فيها، وكانت تظن أن إدمانه مجرد غلطة ارتكبها مراهق، ولم تعلم أنها ستأخذ من حياته سنوات طويلة.
أدمن جواد، الذي عاش سنوات طفولته وشبابه من دون أن يلقى أي اهتمام من والديه المنفصلين، نحو 15 عاماً، لكنه – حسب ما قال – لم يعلم بأنه مريض إلا بعد مرور نحو سبعة أشهر على رحلة التعافي، إذ أدرك أنه مريض، وأن عليه أن يحاصر المرض ويعيش حياة طبيعية.
بدأ جواد تعافيه عام 2010، خلال وجوده في السجن، حينما التحق ببرنامج «خطوة بخطوة»، وواصل البرامج التدريبية والعلاجية بعد خروجه، إلى أن تحول إلى أحد أبرز الناشطين المتطوعين في إقناع المدمنين، داخل المؤسسات العقابية وخارجها، بأهمية الالتحاق ببرامج تأهيل المدمنين ومساعدتهم على التعافي.
ويؤكد جواد أنه كان بأمسّ الحاجة إلى والده في الفترة التي جرفته فيها المخدرات، وأنه لايزال محتاجاً إليه حتى اليوم، مضيفاً أن من قاموا على رعايته ضربوه وعاقبوه حينما عرفوا أنه مدمن، إلا أنهم لم يسألوه، عن سبب إدمانه، ولم يحاولوا أن يعرفوا منه كيف جرفته المخدرات، مضيفاً أنه لو أن أحداً منهم استمع إلى معاناته، لما قضى مراحل من عمره – منذ أن كان في الرابعة عشرة – في السجن، قضى منها سبع سنوات متتالية مسجوناً في إحدى القضايا.
ونجا الشاب من الموت بأعجوبة، حينما حاول ذات مرة فض اشتباك بين اثنين يتصارعان بالسلاح الأبيض، فما كان منهما إلا أن انهالا عليه بالضرب، ولم يقوَ على صدهما، لأنه كان تحت تأثير المخدرات. وبقي على أثر إصابته عاجزاً عن الحركة سبعة شهور، في وضع صحي بالغ السوء، فيما قدر أطباء أن نسبة بقائه على قيد الحياة لا تتعدى 2%.
لم يكن جواد يعرف أي شيء إيجابي عن نفسه، وجزم بأن الإدمان يبني داخل الإنسان شخصيات غريبة، جميعها غير سوية، ولا تستقيم مع إنسانيته أو مع طباعه الحقيقية.
وتابع أنه حينما تعافى وقرر أن يكرس جهوده في برامج تدريب وتأهيل المتعافين، بدأ يعرف من المشرفين على البرامج صفات وإيجابيات في شخصيته، مثل الالتزام وإتقان تنفيذ المهام التي توكل إليه، وهي تشمل إعطاء محاضرات وساعات تدريبية.
أما خلدون وفيصل، فكلاهما في مطلع العشرينات من العمر، وقد أدمنا لأكثر من ثماني سنوات، لكن الإهمال أو التقصير من الأهل، لم يكونا السبب في إدمانهما.
يشرح خلدون أن كل شيء في ظروف حياته من ترابط أسري وعلاقات اجتماعية ممتازة وأداء تعليمي ونجاح مدرسي، كل شيء كان يبشر بأنه سيكون إنساناً مهماً وناجحاً في المجتمع، إلا أن ثقته الزائدة بنفسه وحبه للتجربة – مهما كلف الأمر – سحباه في تيار المخدرات الذي ظن خطأ أن استخدامها لن يتعدى التجربة، إلى أن بدأ يؤجل إقلاعه عنها مرة تلو الأخرى، ليتحول بعد وقت قصير إلى مدمن.
عاش خلدون سنوات من البؤس، أظهرت المخدرات خلالها وجوهها القبيحة له، فنصب جواد وبعض الأصدقاء «فخاً إيجابياً» كما سموه، لصيد خلدون بشباك التعافي واستعادة الأمل.
ظل جواد يتصل بخلدون وهو في السجن، للإبقاء على علاقة طيبة معه، ويحدثه عن برامج العلاج الناجحة، إلا أنه لم يقتنع أو يرغب في التعافي. وما إن خرج خلدون من السجن حتى أقنعه جواد بأن يزوره في عمله، الذي لم يكن في الحقيقة إلا مركزاً للتأهيل. ووافق خلدون، الذي طلب من جواد أن يعلمه طرقاً يظهر فيها للفاحصين أنه سليم ولا يتعاطى، حتى لا يكتشف أمره حينما يأخذ جرعة مخدر، فوافق جواد على طلبه، لكنه أكد له أنه يجب أن يتوقف فترة، وأن يستمع إلى بعض المحاضرات، وينضم إلى البرامج العلاجية حتى يفهم أكثر كيف يتعامل مع نفسية الفاحصين. وهكذا انجذب خلدون لبرامج العلاج وبدأ يسأل عن الأرقام والإحصاءات عن قصص نجاح المتعافين، إلى أن انخرط رويداً رويداً في خطة العلاج وبدأ بالتعافي.
أما فيصل، وهو أصغرهم سناً، فلايزال يتحسس طريق النجاة، إذ توقف عن التعاطي لشهور عدة، ثم تعرض لانتكاسة تعتبر أمراً طبيعياً في مراحل التعافي، يعود بعدها المدمن أقوى وأكثر قدرة على المقاومة، لأن الانتكاسة (أي تعاطي المخدر مجدداً) لا تشعر المدمن بمتعة، بل تكبله بإحساس ثقيل بالذنب والقهر.
وأكد فيصل أنه مصمم أكثر من أي وقت مضى على الشفاء، بعدما أدرك أن الإدمان مرض ينتج عن جنوح في التفكير، وأنه لا سبيل لمواجهته والتخلص منه، إلا بالعقل والإرادة واتباع البرامج السلوكية والرياضية والنفسية المتخصصة.