«الاتحادية العليا» تنـــقض حكماً بشطب طبيب إثر وفاة مريضة ستينـــية
نقضت المحكمة الاتحادية العليا، أخيرا، حكما قضى برفض دعوى طبيب أقامها ضد وزارة الصحة، إذ عوقب بسحب ترخيصه وشطبه من قائمة الأطباء على خلفية إجرائه عملية جراحية في القولون لمريضة مسنة، ما أدى إلى وفاتها.
وأيدت المحكمة تخفيف العقوبة التي وصفتها بأنها «تمثل غلوا، وخرجت عن حدّ المشروعية»، شارحة أنه «كان ينبغي تقويم الطبيب بعقوبة أخف مع إتاحة الفرصة له لإصلاح ذاته، ومراعاة لمختلف الظروف التي أحاطت بارتكابه المخالفة، من دون أن يؤثر ذلك سلبا في حق الوزارة في توقيع الجزاء المناسب على الطبيب».
وفي التفاصيل، أقام طبيب دعوى ضد وزارة الصحة، طالبا إلغاء قرارها بشأن سحب ترخيصه الطبي مع إدراج اسمه باللائحة السوداء، شارحا في دعواه أنه حصل على ترخيص مزاولة مهنة الطب من هيئة الصحة في دبي، وترخيص آخر اتحادي، وأنه زاول عمله في الدولة بكامل الكفاءة والنزاهة، وأجرى عمليات جراحية عدة في مختلف مستشفيات الدولة، إلى أن فوجئ بقرار سحب ترخيصه الاتحادي، وإدراج اسمه في اللائحة السوداء، بسبب ما أسند إليه من خطأ وإهمال في علاج مريضة، رغم أن جراحته لها كانت وفق المعايير المتبعة في المهنة ووفق العرف الفني.
وقضت محكمة أول درجة بإلغاء قرار وزارة الصحة لعدم عرض ملف الطبيب على اللجنة التأديبية للأطباء، ثم استأنفت وزارة الصحة الحكم، وقضت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم الأول والقضاء برفض الدعوى، فطعن الطبيب ضدّ هذا الحكم أمام المحكمة الاتحادية العليا، شارحا في دفاعه أنه «على فرض ثبوت المخالفة المهنية المسندة إليه بإهماله علاج المريضة، فإنه كان عليها الالتزام بتدرج الجزاء الذي ينص عليه قانون مزاولة مهنة الطب البشري، وهو توجيه النظر، ثم الإنذار، ثم الإيقاف عن العمل لمدة لا تتجاوز سنة واحدة، وأخيرا سحب الترخيص، وشطب الاسم من سجل الأطباء».
لكن الوزارة أوقعت عليه الجزاء الأخير، وهو بعيد التلازم مع المخالفة التي أسندت إليه، ما يخرج القرار عن نطاق المشروعية، خصوصا أنه باشر عمله على المريضة في وضع كانت حالتها الصحية معقدة ومركبة، إذ سبق لها إجراء عملية استئصال لسرطان القولون سنة 2002، ومثل هذه الجراحات تتخلف عنها التصاقات عدة وشديدة بالأمعاء، ومن ثم فإن هذه الظروف والملابسات لا تستدعي أخذه بهذه الشدة المتناهية، ومجازاته بأقصى الجزاءات التأديبية.
من جانبها، أيدت المحكمة الاتحادية العليا طعن الطبيب، مبينة في الحيثيات أن الثابت من تقرير دائرة الصحة والخدمات الطبية في دبي أن العمل الجراحي الذي أجراه الطبيب على المريضة لا يمكن الجزم بأنه قد أجري بشكل صحيح من عدمه، والمؤكد هو أن التدخل الجراحي تم بتأخير ملحوظ، وهي النتيجة نفسها التي انتهت إليها اللجنة العليا للمسؤولية الطبية، مع توضيحها أن التعامل الجراحي لم يكن مطابقا للمعايير القياسية المتعارف عليها في مثل هذه الحالات، ومن ثم كان على الإدارة، قبل اتخاذها الجزاء بسحب الترخيص الطبي للطبيب، أن تدخل في اعتبارها وضعية المريضة التي تجاوزت سن الـ60، خصوصا أنه سبق لها أن خضعت لعملية جراحية كبرى باستئصال القولون سنة 2002.
كما أنها راجعت المستشفى الذي يعمل فيه الطبيب مرات عدة، بسبب شكواها من آلام شديدة في البطن. ولما أحيلت إلى الطبيب شخص وضعها الصحي، وأجرى لها تدخلين جراحيين. وقد أثبتت التقارير الطبية أن وفاتها كانت نتيجة العملية الجراحية التي أجريت لها في الولايات المتحدة الأميركية لزراعة الأمعاء الدقيقة والبنكرياس والكبد، وهي وقائع لا نزاع فيها بين الطرفين، خصوصا أن الطبيب زميل لكلية الجراحين الملكية البريطانية منذ سنة 1983، وقد مارس عمله في الدولة منذ سبع سنوات، أجرى خلالها كثيرا من التدخلات الجراحية والعمليات الكبرى، وهو ما يشهد به ملفه الإداري.
كما أن كتاب وزارة الصحة نفسها أكد أن عمل الطبيب كان بدرجة «ممتاز»، ومن ثم كان على محكمة الاستئناف، وهي تقدر خطورة الذنب الذي ارتكبه الطبيب، أن ترى في الوقت ذاته أن عقوبة سحب الترخيص والشطب من قائمة الأطباء ـ وهي أشد الجزاءات ـ تمثل غلوا، وأنه كان ينبغي تقويم الطبيب بعقوبة أخـف مع إتـاحة الـفرصة له لإصلاح ذاته، مراعاة لمختلف الظروف التي أحاطت بارتكابه المخالفة على الوجه السالف بيانه، ما يجعل الجزاء مشوبا بعدم التناسب الظاهر، وتاليا يخرجه عن حد المشروعية، ويبطله، من دون أن يؤثر ذلك سلبا في حق الوزارة في توقيع الجزاء المناسب على الطبيب، بعد أن ثبتت المخالفة بظروفها السالف بيانها، ومن ثم يكون الحكم الذي خالف هذا النظر معيبا، ما يوجب نقضه دون حاجة لبحث بقية أسباب الطعن الأخرى.