الأزياء المسرحية.. أبطال من قماش
لا يبنى العمل المسرحي على النص أو القصة فحسب، بل تتفاعل فيه عوامل فنية لخلق حالة الايهام التي تجذب المتلقي وتضعه داخل لعبة العمل بحيثياته الزمانية والمكانية. تتداخل الاضاءة مع الديكور والماكياج والأزياء لتشكل كلها وحدة حال، تمكننا من التفاعل مع ما تراه العين. ومن المعروف أن الأزياء من العناصر الاساسية والجوهرية في أي عمل مسرحي، ومن الطبيعي ان تتنوع هذه الأزياء بما يتناسب مع العمل، وقصته، وطبيعة الشخصيات المطروحة فيه.
تتنوع أزياء المسرح وتنتقل بالمتلقي من الواقعي الى التاريخي أو حتى الى الخيال عبر تصويرها ما هو غير مألوف او حتى غير ملموس في حياتنا الواقعية، ولهذا فإن العمل عليها لا يقل شأناً عن العمل على النص أو التفاصيل المسرحية الاخرى الأزياء بطل من قماش. ولإنجاز أزياء أي عمل مسرحي لابد من وجود علاقة مباشرة وتكاملية بين مصمم الأزياء والمخرج، وهي نقطة البدء في وضع التصاميم كما تقول مصممة الأزياء المسرحية موزة محكوم، وتضيف «لا بد من اطلاع مصمم الأزياء على أحداث المسرحية، ليتمكن من عرض أفكاره الخاصة على المخرج، للوصول الى اتفاق على الفكرة، والالوان، والطريقة التي ستخرج بها الأزياء».
البحث عن الشخصية
قراءة النص المسرحي ليست كافية لوضع الأزياء النهائية للمسرحية، بالنسبة لمحكوم، فهي تبحث عبر الانترنت عن الحقب التاريخية القديمة في حال انتمى العمل المسرحي الى التاريخ، وتقول «اهتم كثيراً بمعرفة الجو العام الذي يطبع الحقب الماضية، إضافة الى معرفة الأزياء التي كانت رائجة في ذلك الوقت، ولا سيما في تعاملي مع الأحداث التاريخية».
إضافة الى قراءة النص والبحث عبر الانترنت، لا بد من حضور البروفات والتمرينات التي يقوم بها الممثلون، «إذ تتيح هذه البروفات الحكم على حركة الممثلين على المسرح، وهذا يساعدني على تكوين فكرة واضحة عن الأزياء التي يمكن أن تخدم الحركة دون ان تعيقها. وتساعدني شخصية الممثل وطريقة تعبيره على المسرح على طرح افكار جديدة بعيدة عن جو المسرحية ».
الخيال والغرابة
ولفتت محكوم الى أنها «لا تلجأ الى الخيال أو الغرابة في الازياء إلا تبعاً لمتطلبات المخرج او الموضوع ذاته. ولكن مع مراعاة حركة الممثلين في هذه الازياء الغريبة ايضا «كان لي خبرة مع الازياء الغريبة، فقد صممت ازياء لمسرحية تتحدث عن عالم الجن غير الملموس، فكانت تجربة تعتمد على الخيال بالدرجة الاولى»، أما لجهة ثقل بعض الملابس على الممثلين، اكدت محكوم ان «جميع المواد التي تزين الملابس والاكسسوارات باتت متوافرة من البلاستيك الخفيف، وحتى المعادن منها باتت خفيفة الوزن، ما يساعد الممثل على حركته».
أجواء وألوان
لا تخضع الالوان والاقمشة كما هو معتقد لرغبات مصمم الازياء، إذ توضح محكوم: «يجب أن يتكامل تصميم الزي المسرحي مع العمل بصورة عامة، فعلى سبيل المثال هناك ألوان محددة للقوة وهي ألوان حارة كالبرتقالي والاحمر، في حين أن هناك ألواناً اخرى تفيد في إضفاء جو مفعم بالهدوء والسكينة كالاخضر والازرق. ومن ناحية اخرى، تساعد الالوان على إبراز الجو الذي يحكم المسرحية والذي يمكن ان يتسم بالفخامة، حيث نستخدم الالوان الحارة للملوك والوزراء في حين نستخدم الرمادي والالوان الهادئة لعامة الشعب».
ولا يقل دور نوعية الأقمشة عن دور الالوان في مساندة الفكرة وفقا لمحكوم، «إذ استخدم الاقمشة الفخمة كالمخمل والشاموا والساتان في حال كانت المسرحية تشتمل على مناصب عليا ومراكز مهمة، أو حتى الشيفون لازياء الاميرات. في حين تعمل الاقمشة الخفيفة على تأكيد الفقر في العمل ومنها القطن والكتان الذي غالبا ما استخدمهم للدلالة على عامة الشعب».
تبديل الممثلين
وحول الصعوبات التي تواجهها في عملها فهي تتجلى في ضيق الوقت، إذ تحتاج أزياء المسرح الى شهر في الاقل كي تنجز، وتزداد الفترة المطلوبة في حال ازدادت التفاصيل وازداد عدد القطع ونوعية العمل. وكذلك نواجه في بعض الاحيان معوقات بسبب تبديل الممثلين، ما يضطرنا الى اعادة التفصيل للممثلين الجدد. بالاضافة الى هذا لفتت محكوم الى بعض الامور التي يصعب تجسيدها، «حيث يتوجب عليها تصوير غير الملموس، كالعمل الذي قامت فيه بتصميم ازياء خاصة بالجن».
سينوغرافيا المسرح
وفي السياق ذاته يؤكد المخرج المسرحي حسن رجب، «أن العمل المسرحي يعتمد على الزمان والمكان والحقبة التاريخية التي ترتبط بها احداث المسرحية. وهناك تداخل ودراسة تتم بين الالوان المسرحية التي تبدأ من الاضاءة والماكياج والديكور وهذا ما يطلق عليه في عملنا اسم السينوغرافيا في المسرح، حيث اعتمد كمخرج بالنظر الى اللون والناس بأبعادهم»، ويتابع رجب، «يبدأ العمل على الالوان مع مهندس الديكور الذي يضع التصميم الهندسي للمسرح، وكذلك مع مصمم الازياء ليضع الازياء التي تناسب الوان المسرحية ككل». ولفت رجب الى ان «هناك ما يسمى بعملية التدخيل او الفانتزيا حيث يكون اللبس متميزاً بالغرابة احياناً، في مقابل تغريب اللبس عن الاسقاط فتأتي مفردات الأزياء اكثر شمولية في رسم صورة الزمان والمكان».
تفاعل الألوان
ويشير المخرج رجب الى مجموعة من العوامل التي يجب ان يراعيها مصمم الازياء أهمها «ألاّ تعيق حركة الممثل على المسرح. ثم مراعاة الدلالات الشخصية والابعاد النفسية للممثل، لأن الممثل قد يرتاح لبعض الالوان دون غيرها، وثالثاً مراعاة تناسق ألوان الازياء مع ألوان ديكور المسرح والاضاءة التي بدورها تتفاعل مع الوان الازياء على المسرح وتظهر بلون مختلف، وبالتالي يحمل كل لون دلالة خاصة في عالم المسرح»، أما في ما يتعلق بنوعية الاقمشة فأكد رجب «أنه يتدخل باختيارها لانها يجب ان تراعي شخصية الممثل الذي سيلبسها وكيفية تعاطيه معها، بالاضافة الى عدم اعتماد الانواع الرخيصة التي ستبدو باهتة مع الاضاءة. أما الاقمشة اللامعة فهي غير محببة في جميع المسرحيات، بالاضافة الى ضرورة الابتعاد عن الالوان الداكنة لانها لا تظهر في بعض زوايا المسرح».
جزئيات المسرحية
ولفت رجب الى اهتمامه بضرورة ان تتبع الأزياء الفئة الاجتماعية التي تنتمي إليها شخصيات العمل، لذا إن كان المخرج يقوم بعمل مسرحي واقعي فهذا يعني انه لا بد من تطابق الازياء مع المسرح، أي يجب ان تكون واقعية، او خيالية ان اعتمدت القصة على الخيال، وكذلك مطابقة الاكسسوارات مع الأزياء بما يليق والقصة»،. واضاف رجب «أن كل جزئية في العمل المسرحي مهمة جداً ويجب عدم التغاضي عنها لأن لكل منها دلالاته التي تضفي أبعاداً جمالية على المسرحية، وتعمل على توازنها. فالشكل مهم بالنسبة للمشاهد كونه يتلقى المشهد بكليته، وأي خلل سيمرر الى المشاهد الشعور بنقص في العمل، حتى لو لم يكن قادراً على اكتشاف مكان الخلل. لذا لا بد من إيلاء كل جزئية من هذه الجزئيات التي تبدأ من النص المسرحي لتصل الى الأزياء اهميتها كون المسرح فناً يسوّق الفكر والثقافة».
مساندة الممثل
من جهته أكد الممثل فيصل علي، «أن الأزياء المسرحية تساعد الممثل على اداء الشخصية، إذ تعمل الازياء بمساندة الاكسسوارات والماكياج على إدخال الممثل في جو الشخصية والحقبة الزمنية التي تعود اليها المسرحية، وبالتالي هذا كله يساعد الممثل على اقناع الجمهور»، ويؤكد علي «أنه كان مرتاحاً في جميع الازياء التي كان يرتديها في اعماله المسرحية»، وكان معنياً أن يؤدي جميع ادواره بملابس مريحة، فهذا عامل مساعد للممثل، أما لجهة انسجامه كممثل مع الوان دون غيرها يضيف علي «أن الالوان لا تؤثر فيه كثيراً لأنه لا يرى فروقات في التعاطي معها، إضافة الى انها تتفاعل مع الاضاءة وهذا بدوره يؤدي الى إغناء عين المشاهد».
توثيق أزياء المسرح
رغم قلة الاهتمام التي يلقاها فن أزياء المسرح في العالم العربي، إلا أنه يشكل فناً مستقلاً في عدد من الدول الغربية التي تقيم عروضاً خاصة للأزياء في هذا المجال. وقد عمد مصمم الأزياء المسرحي الهولندي رين بيكرس الى اقامة معرض وثائقي لمجموعة من الازياء والديكورات التي قدمها في مسرحياته التاريخية في متحف المسرح على طريقة البانوراما المسرحية، وذلك بدعوة من معهد المسرح. وتعتبر هذه الخطوة وغيرها من الخطوات المماثلة في الغرب تأكيداً أن الأزياء المسرحية فن مستقل بذاته.