سهر المراهقين في الإجازة يقلب ليلهم نهار
«بلاي ستيشن» تعتبر من أكثر أدوات الترفيه استخداماً في الإجازات. جي.تي
تبدأ الإجازة الصيفية وتبدأ معها ليالي السهر على نحو يومي. ينقلب النهار ليلا والليل نهارا، والعذر الوحيد انه فصل الإجازة. قد يكون هذا ليس بغريب، فهو حال معظم المراهقين الذين يجدون في السهر ما يملأ اوقات فراغهم، ويساعدهم في تمضية اجازة ممتعة، كما يرون، من خلال مشاهدة التلفزيون ولعب «بلاي ستيشن» وتصفح مواقع على «الانترنت». لكن الاهالي يتذمرون من سهر الابناء، وغالبا تبوء محاولاتهم بثني ابنائهم من اولاد وبنات عن السهر اليومي بالفشل. والسبب الاسطوانة التي يكررها الابناء، إنهم في إجازة.
لكن، ما سبب اندفاع المراهقين الى هذه السهرات؟ وكيف يمضونها؟ وكذلك كيف يستقبل المراهقون العام الجديد بعد إجازة امضوها بالسهر حتى ساعات الفجر؟ وهل الانشطة التي تنظمها جهات عدة للطلبة خلال الصيف غير كافية لتحفيزهم على المشاركة فيها؟
ينقلب ليل عفاف احمد نهاراً، ونهارها ليلاً اثناء فترة الاجازة، وتقول في هذا الصدد «أسهر كثيرا خلال فترة الاجازة، لانه ليس هناك شيء اقوم به طوال النهار، فأرى انه من الافضل استغلال الليل في السهر، وقضاء النهار في النوم، فهذه الطريقة تبعد عني الضجر».
اما سبب السهر في الليل والاستمتاع في اوقات المساء، فيعود الى ان عفاف «تفضل الجو الهادئ الذي يتيح لها استغلال الوقت جيدا في اكثر من وسيلة كالانترنت او مشاهدة الافلام او حتى التحدث على الهاتف مع صديقاتها».
وتتابع عفاف «أشعر بالتعب حين استيقظ في اليوم التالي عند الظهر، طبعا النوم في الليل اكثر راحة للجسد من النوم خلال النهار، ولكن لا استطيع ان اضيع الاجازة في تمضية اوقات غير مسلية خلال النهار، كون المنزل سيكون مزدحماً بالاقارب وكذلك بجميع إخوتي ما يبعدني عن ممارسة هواياتي».
اما عن استقبال العام الدراسي الجديد، فتؤكد «يبدأ الاسبوع الاول من العام الدراسي بقليل من التعب لانني اعتدت السهر يوميا ولساعات طويلة، لكني اعاود استقبال الاسبوع الثاني بالنشاط المعتاد». وتوضح عفاف تعامل اهلها مع السهر «أشعر انه لا يعجبهم كثيرا هذا السهر الليلي، ولكنه وقت الاجازة وليس هناك من بدائل لاستغلاله، لذا افضل احيانا عدم الالتفات إلى تذمرهم».
أرق يومي لا تحب شعاع العامري السهر لساعات متأخرة، فهي تقول «اخلد للنوم في ايام العام الدراسي عند الساعة العاشرة. اما خلال فترة الاجازة فأتعمد قضاء فترة اطول في السهر، تمتد الى الساعة الثانية عشرة منتصف الليل كحد أقصى».
ورغم ان شعاع تختار الخلود الى النوم باكرا، ولا تسهر لساعات الصباح كغيرها، ألا انها تعاني الارق يومياً «عندما اخلد الى النوم، لا ادري ما الذي يحدث، ابدأ بالتفكير في كثير من الامور، فرغم اني لا احب السهر الا ان الارق اليومي يطيل سهرتي ساعة او اكثر، وتراودني أفكار كثيرة، لكني اعتقد ان الملل هو السبب الاساسي الذي يبعدني عن النوم باكرا، بالاضافة الى الراحة اثناء الاجازة، لذا اعتقد ان عدم قدرتي على النوم يعود الى الراحة الزائدة التي احصل عليها ايام العطلة».
أنانية أبناء حسنة محمود المراهقون، يسهرون يوميا حتى ساعات الفجر الاولى في تمضية الوقت بلعب «البلاي ستيشن»، وهذا يزعجها ويصيبها بالتوتر، كما انه يسبب لها المشكلات الدائمة مع ابنائها، لا سيما انهم يرفضون القيام ببعض الواجبات المنزلية او حتى المساعدة في بعض الاعمال. وتقول «اشعر ان اولادي اصبحوا أنانيين، فالإجازة تعني لهم اللعب والسهر دون القيام بالواجبات المنزلية، حتى انهم لا يساعدونني على الاقل في التسوق».
وتُرجع حسنة تصرف ابنائها على هذا النحو الى الروتين اليومي الذي يعيشونه طوال السنة «اعتقد ان الروتين هو الذي يؤدي بأولادنا الى الاستغلال السيئ للاجازة، فنحن بصفتنا أولياء امور ننشغل عنهم طوال السنة، وكذلك اشعر انهم هم انفسهم يعيشون العام الدراسي وكأنهم مجندون، عليهم ان يذهبوا الى المدرسة يوميا، وبلباس معين وفي وقت محدد، فهذا وحده كفيل بأن يجعل من حياتهم روتيناً، ويضطرهم الى البحث عن كل ما هو مختلف في وقت الاجازة».
ولا تقلق حسنة على ابنائها، فهي تدرك ان «سهرهم الطويل ليس إلا على لعب «البلاي ستيشن»، او الانترنت ما يعني انه ليس هناك من خطورة عليهم»، حسب اعتقادها. لكنها تتذمر من السهر المفرط لانه يؤثر بطريقة مباشرة في نظام المنزل ككل «يستيقظ اولادي وقت الغذاء، فيكون الفطور غذاء، ثم الغذاء يكون في وقت العشاء، اما عشاؤهم فيكون منتصف الليل، فأحيانا يطلبون وجبات جاهزة عند الساعة الثالثة فجرا، وهذا ما يشعرني احيانا وكأنه شهر رمضان».
اما الحل الذي يمكن ان يريح حسنة، فهو إعادة النظام الى المنزل، لكنها واثقة بأن هذا بالغ الصعوبة، لذا تترك أبناءها على راحتهم كي تشتري راحتها وتتخلص من الاسطوانة التي تسمعها يوميا: انها الاجازة.
فراغ زائد يوضح الاختصاصي في علم الاجتماع، الدكتور حسين العثمان، تصرف المراهقين على هذا النحو في وقت الاجازة «يمكن القول احيانا ان جزءا من هذا التصرف طبيعي، وذلك بسبب وقت الفراغ الزائد الذي يعاني منه الشبان والشابات خلال فترة الاجازة، هذا بالاضافة الى انه ناتج عن عدم توافر الوسائل الترفيهية في المجتمع. وان هذا السلوك يغير اسلوب الحياة المعتاد ويؤدي الى نوع من الفوضى في المجتمع وفي الاسرة». ويشير العثمان الى كثير من الواجبات التي لا بد للاسرة من القيام بها لتفادي هذا السلوك «تغفل الاسرة عن الشباب والشابات في هذه الفترة، فلا يفكر الاهل معهم في كيفية الاستمتاع بالعطلة، اذ يحاول المراهقون ممارسة هواياتهم الاساسية بعيدا عن الاهل وبمفردهم».
ويؤكد وجوب التفات المجتمع الى المراهق وكيفية قضاء إجازته، وذلك من خلال اعداد برامج ترفيهية لفئات عمرية مختلفة، وكذلك بالتنسيق مع الاهل لكيفية ممارسة الهوايات نهارا».
آثار جانبية اما الآثار التي تترتب عن السهر اليومي، فيوضحها العثمان بأنها كثيرة «اذ تعتبر هذه المرحلة مرحلة تكوين الشخصية لدى المراهقين، لذا ينبغي الاستفادة من كل دقيقة». ويستدرك ان «الاستفادة لا تعني البرامج المنهجية، اذ يمكن للمراهق الخضوع للكثير من البرامج الترفيهية، او النشاطات الرياضية التي تكسبه مهارات جديدة وتعود عليه بالفائدة». لكنه هنا لا يتهم الاهل بالتقصير، اذ يلفت الى وجوب اهتمامهم بهذه المسألة، ويشير الى خطورة انعزال الابناء عن الاهالي خلال السهرات المسائية، فهذه السهرات تعتبر فرصة للمراهق الذي يتمتع بحب الاستطلاع وبالتالي هنا «لا بد للأهل ان يلتفتوا الى وضع برامج معينة للمراهقين كي يستفيدوا من العطلة الصيفية، وكذلك ان يكون المجتمع قادراً على تأمين حاجاتهم الاجتماعية والنفسية لملء فراغ الاجازة».
عجز الأسرة يفسر الاختصاصي في علم الاجتماع، الدكتور حسين العثمان ظاهرة سهر المراهقين ليلاً بعجز المجتمع والاسرة على التعامل مع فئة عمرية محددة، وتأمين البرامج الترفيهية الكفيلة بمساعدتهم على قضاء وقت ممتع في الاجازة. وكذلك لفت الى ان انشغال المراهقين بلعب «بلاي ستيشن» ليلا او قضاء الوقت على الانترنت، يعود الى ان هناك ايضا مجموعة من البرامج التي لا يعلن عنها بالشكل المطلوب. لذا يدعو الى وجوب التركيز على الاعلان عن هذه البرامج من خلال التعاون بين مختلف هيئات المجتمع.
|