3 مراكز فقط في الدولة تقـدم علاجاً للمدمنين
لم يثبت علمياً حتى اللحظة أن لإدمان المخدرات دوافع وراثية، لكن هناك إجماعاً على أنه مرض له أسباب نفسية ومجتمعية.
وإذ يحدد القانون نوعين للمدمنين، أحدهما يصر على إدمانه فيصبح متهماً، وآخر يطلب العلاج فيعامل كمريض يحتاج إلى يد المساعدة، فإن نظرة المجتمع للنوعين واحدة، حتى في حال التعافي من الإدمان، الأسرة تلفظ ابنها، والزوجة تطلب الطلاق، وسوق العمل ليست أكثر رحمة، في حين تظل «بوابة الانتكاسة» مفتوحة على مصراعيها.
ورغم الجهود المبذولة لاستيعاب المتعافين، وتشجيع المدمنين على الإقلاع عن المخدرات، إلا أن الدولة مازالت تعاني نقصاً في عدد مراكز العلاج والتأهيل، ونقصاً في الكوادر الطبية المؤهلة، ومحدودية عدد الأسرّة المتاحة في المصحات العلاجية الحكومية، وضعف برامج الرعاية اللاحقة، فضلاً عن جملة من التحديات الصحية والاجتماعية والقانونية، التي تكون سبباً في عودة المتعافين إلى دائرة الإدمان مرة أخرى.
في ملف «العائدون من الإدمان» تسلط «الإمارات اليوم» الضوء على التحديات التي تواجه المدمنين في رحلة العلاج، والأسباب التي تؤدي إلى الانتكاسة، ورؤى الجهات الطبية والشرطية والقانونية والمختصين في كيفية تبني استراتيجية وطنية شاملة للحد من انتشار الإدمان.
في الحلقة الأولى من ملف «العائدون من الإدمان» ناقشنا المشكلات التي تواجه المتعافين صحياً، وتعرضهم لأعراض قد تدفعهم إلى الانتكاسة، كما تطرقنا إلى المشكلات الأسرية والاجتماعية التي تلاحقهم حتى بعد الإقلاع عن الإدمان، وفي هذه الحلقة نبحث عن إجابة عن سؤال محوري في هذا الملف، هو هل مراكز التأهيل في الدولة كافية لاستيعاب أعداد المتعافين؟
دراسة الجينات الوراثية للمدمنين وقّع المركز الوطني للتأهيل مذكرة تفاهم مع جامعة خليفة، تتعلق بالتعاون في مجال البحوث في معرفة الجينات الوراثية التي لها دور في الإدمان، وسيتم من خلالها جمع وتحليل عينات دم من مرضى الإدمان في المركز، لتحديد جينات وراثية قد يكون لها أثر في دفع المريض للتأثر بالمواد المخدرة بشكل أكبر. وقد أجريت دراسات مماثلة في دول عدة في أوروبا والولايات المتحدة، ولكنها ستكون الأولى من نوعها في الإمارات، حيث ستشمل الدراسة 250 مريضاً، وتستمر لمدة عامين. الدكتور حمد الغافري «عونك» يؤهل المتعافين اجتماعياً ونفسياً يعد مركز «عونك»، التابع لهيئة تنمية المجتمع في دبي، مركز تأهيل اجتماعي وليس مركزاً للعلاج الطبي، إذ يتعامل مع مرضى الإدمان في مرحلة ما بعد سحب المخدر والعلاج الدوائي، ويقدم برامج تأهيلية عدة في المجال النفسي والاجتماعي والأسري للمتعافين من إدمان المخدرات، وأسرهم، بالإضافة إلى تقديم الدعم المادي اللازم لهم، من خلال شركاء المركز والجهات المعنية. ودعم المركز متعافين عبر توظيفهم في القطاعين الحكومي والخاص، وأتاح فرص تدريبهم وتأهيلهم مهنياً في المؤسسات المختلفة، وقدم لهم مساعدات مالية تساعدهم على الزواج والدراسة وتسديد ديونهم وغيرها من الخدمات. |
حسب نتائج دراسة تقييم وضع المخدرات والمؤثرات العقلية في الإمارات، أجراها المركز الوطني للتأهيل ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، أخيراً، فإن الخدمات العلاجية والتأهيلية المتوافرة لمرضى الإدمان في الدولة غير كافية، من حيث عدد المؤسسات التي تقدم هذا النوع من الخدمات، وذلك في ظل انعدام وجود مراكز في المناطق الشمالية تتولى هذه المهام.
وتوصي الدراسة بتوفير برامج علاجية وتأهيلية متكاملة، من خلال إجراء حصر مفصل ودقيق للمؤسسات التي تقدم خدمات العلاج والتأهيل، والتوسع في إنشاء المؤسسات العلاجية والتأهيل.
ويوجد في الدولة ثلاثة مراكز رئيسة تقدم علاج الإدمان، هي: المركز الوطني للتأهيل، الذي أنشئ في 2002، بناء على توجيهات المغفور له الشيخ زايد، ومركز تأهيل الشارقة، الذي افتتح في العام 1999، ومستشفى الأمل في دبي، الذي يجري العمل على تطويره حالياً.
«الوطني للتأهيل» يعاني نقصاً في الأسرّة والكوادر
وأكد مدير عام المركز الوطني للتأهيل، الدكتور حمد الغافري، أن هناك حاجة ضرورية للتوسع في إنشاء مراكز تأهيل من علاج الإدمان في الدولة، إذ بينت نتائج دراسة تقييم وضع المخدرات والمؤثرات العقلية في الإمارات، التي أجراها المركز الوطني للتأهيل ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، أخيراً، أن الخدمات العلاجية والتأهيلية المتوافرة لمرضى الإدمان بالدولة غير كافية، من حيث عدد المؤسسات التي تقدم هذا النوع من الخدمات، وذلك في ظل انعدام وجود مراكز في المناطق الشمالية تتولى هذه المهام.
ولفت إلى أن نتائج الدراسة تشير أيضاً إلى أن المركز الوطني للتأهيل يعاني نقصاً في الأسرّة، ولديه قوائم انتظار، فضلاً عن نقص في الكوادر المؤهلة، مضيفاً أن الدراسة أوصت بتوفير برامج علاجية وتأهيلية متكاملة، من خلال إجراء حصر مفصل ودقيق للمؤسسات التي تقدم خدمات العلاج والتأهيل، والتوسع في إنشاء المؤسسات العلاجية والتأهيلية.
وأشار الدكتور حمد الغافري، إلى أن المركز بصدد إنشاء مركز لتأهيل المدمنين في إمارة عجمان، مشيراً إلى أن مشكلة المخدرات من المشكلات العالمية التي تواجه جميع دول العالم، ويمكن اعتبارها مشكلة قومية وأمنية ذات أخطار كبيرة، إن لم يتم التعامل معها بحكمة، وإيماناً منا بدور المركز المهم والحيوي في هذا المجال.
برنامج العلاج
ولفت إلى إن المركز منذ إنشائه حتى الآن استقبل وقيّم وعالج أكثر من 340 حالة مختلفة، ما بين إدمان على الكحول والمخدرات بأنواعها، فيما تبلغ طاقته الاستيعابية 28 سريراً، لمن هم في سن الـ18 فما فوق، ويستقبل الحالات الطوعية والمحولة من قبل الجهات القضائية.
وذكر أن «المركز يتبع سياسة العلاج والتأهيل وفق برنامج علمي متكامل يستمر لمدة ثلاثة أشهر، مكون من شقين داخلي وخارجي، بحيث يبدأ الداخلي بمرحلة إزالة السموم من جسم المريض، التي تستمر من 10 إلى 15 يوماً، يخضع بعدها المريض لتقييم شامل، تمهيداً للبدء في برنامج تأهيلي نفسي، من خلال برنامج العلاج النفسي الفردي يتبعه الجماعي.
وأضاف أنه يتم خلال تلك الفترة مشاركة عائلة المريض في العلاج، لمعرفتهما في تاريخ المريض، ونقاط القوة والضعف ومراحل إدمانه وتطوره خلال سنوات الإدمان السابقة، إضافة إلى العمل على علاج الأمراض النفسية المصاحبة، إن وجدت والتركيز على الجوانب التأهيلية.
وتابع أن فريق العلاج يعد خطة عمل لكل مريض بناء على الظروف المحيطة به، سواء النفسية أو الطبية أو الاجتماعية أو المالية وغيرها، ويضم الفريق أطباء ومختصين نفسيين واجتماعيين يعملون بروح الفريق الواحد، لتقديم العلاج اللازم للمريض، وفق أفضل الممارسات للوصول إلى النتيجة الإيجابية مع المريض لإعادة تأهيله بالكامل.
عملية التأهيل
وأوضح أنه خلال مرحلة التأهيل تتم مراجعة حالة المريض، وفي حال نجاحه في اجتياز متطلبات العلاج في هذه المرحلة، يتم منحه بعد مضي فترة شهر ونصف الشهر إجازات علاجية تدريجية خلال نهاية الأسبوع، فيما تتم متابعته مع الأسرة ضمن برنامج زيارة متكامل ومتابع من قبل الفريق العلاجي.
وأكد أنه في حال نجح المريض في مراحل العلاج دون أي انتكاسة، يواصل إكمال البرنامج العلاجي، ويمنح إجازة لمدة يوم كامل وليلة، ويبدأ الخروج التدريجي، على أن يقرر لاحقاً إخراجه من المركز ومتابعته في العيادة الخارجية، أو نقله إلى فيلا منتصف الطريق لمتابعة علاجه، وهي عبارة عن نظام رعاية شامل لتقديم خدمات المتابعة النفسية والاجتماعية للمرضى الذين هم بحاجة لذلك.
وقال إن المريض يحظى ببرامج تدريبية للانخراط مرة أخرى في المجتمع، أو برامج تدريبية في جهة العمل، مشيراً إلى الاتفاقية التي تم إبرامها مع صندوق خليفة لدعم المشاريع، التي تم بشأنها الانتهاء من تقديم ورشة العمل الأولى لكيفية إقامة مشروع تجاري للمريض نفسه ولمدة شهر.
«ماتريكس» أقوى البرامج العلاجية من الإدمان
بيّن رئيس قسم الطب النفسي في المركز الوطني للتأهيل، الدكتور أحمد علي، أن مراحل العلاج تبدأ بإخضاع المدمن لتقييم طبي للتعرف إلى الجوانب النفسية والاجتماعية، ونوع المخدر الذي كان يتعاطاه، والظروف المحيطة به، وكيف بدأ الإدمان، ويمكن أن يبقى في العيادة الخارجية إذا كان يتعاطى مخدراً بسيطاً، أو يتم تحويله في حال الإدمان المتوسط والشديد إلى المصحة، ويخضع لمدة أسبوعين لعلاج لسحب السموم من جسمه، ويكون مصحوباً بأعراض مثل التشنجات وهلاوس، ثم يدخل في برامج نفسية وتأهيلية.
وأوضح أن «المركز الوطني للتأهيل» ينفذ واحداً من أقوى البرامج العلاجية في العالم، هو برنامج «ماتريكس»، إذ ينتظم المتعافون في فصول دراسية وجلسات لمدة أربعة أشهر، يتناولون فيها أحد الموضوعات المتعلقة بإيجابيات التعافي وتلافي المغريات، ويكتسبون خلالها مهارات مهمة للبقاء في التعافي، مثل شغل أنفسهم بهوايات، والابتعاد عن الأماكن والأشخاص الذين يذكرونهم بالإدمان.
وأشار إلى أن العلاج من الإدمان يبدأ من الشخص نفسه، ومدى رغبته طواعية في التغيير والتعافي، وكل مدمن يحتاج إلى دافع للتغيير، وغالباً ما يحدث التغيير في فترة لاحقة من تعاطيه، إذ يكون المدمن في البداية في مرحلة ما قبل التأمل، بمعنى أنه يشعر بلذة التعاطي من دون مشكلات، ثم مرحلة التأمل، عندما يتسبب إدمانه في وقوعه في مشكلة، كأن يدخل السجن على سبيل المثال، حيث يبدأ وقتها يتأمل في حاله، وما آل إليه، ثم مرحلة الحركة التي يتخذ فيها قراراً بالعلاج والخروج من الإدمان ثم التوقف، وهنا تبدأ دائرة التغيير في حياة المدمن.
ولفت إلى أن من يتم تحويلهم من قبل القضاء والشرطة من المدمنين إلى مراكز علاج قسراً، لهم جانب إيجابي يتمثل في دفع الأشخاص نحو مرحلة التأمل والتفكير في التغيير، وهو ما قد ينجح لدى البعض، ويفشل عند الآخرين.
14 مليار درهم خسائر فقدان «إنتاج المدمن» سنوياً
الدكتور علي المرزوق |
أفاد مدير إدارة الصحة العامة والبحوث في المركز الوطني للتأهيل، الدكتور علي المرزوقي، بأن كلفة مشكلة الإدمان في الدولة تبلغ 5.5 مليارات دولار سنوياً (نحو 20.1 مليار درهم)، تشمل الأعباء الاقتصادية، وفقدان الإنتاجية، والعلاج والوقاية، والمكافحة، وغيرها.
وقال إن فقدان الإنتاج المترتب على الإدمان، وما يصاحبه من مشكلات صحية، يكلف الدولة نحو أربعة مليارات دولار سنوياً (نحو 14 مليار درهم)، في حين تكلف جهود المكافحة نحو 600 مليون دولار سنوياً، وتبلغ نفقات العلاج نحو 20 مليون دولار سنوياً، فضلاً عن القضايا المتعلقة بتعاطي المخدرات.
وكشف المرزوقي أن المركز، بمشاركة كل الجهات المعنية في الدولة، يسعى حالياً لوضع استراتيجية وطنية كاملة لخفض كلفة الإدمان، ووضع برامج وطنية موحدة ومتطورة للمكافحة والوقاية والعلاج.
«الوطني» طالب بزيادة مراكز التأهيل
طالب العضو السابق في لجنة الداخلية والدفاع في المجلس الوطني الاتحادي، سعيد ناصر الخاطري، بإنشاء المزيد من مراكز تأهيل وعلاج المدمنين في الدولة، خصوصاً في المناطق التي تفتقر إلى خدمات ومراكز علاجية وتأهيلية، بما يعزز جهود مكافحة آفة المخدرات والإدمان.
وذكر أن أعضاء لجنة الداخلية والدفاع في المجلس، سبق أن زاروا عدداً من مراكز التأهيل من الإدمان، منها المركز الوطني للتأهيل في أبوظبي، ومركز الشارقة للتأهيل، واطلعوا على واقع هذه المراكز، والتحديات والصعوبات التي تواجهها.
وأضاف الخاطري أن اللجنة توصلت إلى عدد من التوصيات، أبرزها توصيتان، هما: المطالبة بإنشاء المزيد من المراكز العلاجية لمدمني المخدرات، والثانية تشديد الرقابة على كل المنافذ الحدودية للدولة، بنشر أجهزة كشف تعاطي المخدرات.
وقال إن اللجنة ستسلم ملف المخدرات، وما خلصت إليه من نتائج وتوصيات، إلى اللجنة المقبلة التي سيتم تشكيلها من أعضاء المجلس الوطني الجدد، في نوفمبر الجاري، مؤكداً أهمية متابعة هذا الملف، وتنفيذ ما تضمنه من توصيات، لتعزيز جهود حماية أبنائنا من خطر الإدمان.
ونبه الخاطري، إلى أن تعاطي المخدرات يمثل أبرز التحديات التي تواجهها دول العالم، خصوصاً أن المخدرات أصبحت تأخذ أشكالاً متغيرة، بما يصعب على أجهزة المكافحة اكتشافها، لذا من الأهمية استكمال طرح ملف المخدرات في دورة انعقاد المجلس التشريعي المقبل.