قصة «متقاعد»!!
التقيته مصادفة في جلسة لم نرتب لها بمكان عام، لن أقول عنه إنه شاب في منتصف العمر، لكنه على ما يبدو مازال يستطيع العطاء والعمل والإنتاج لأكثر من 10 سنوات مقبلة، بعد الترحيب وتبادل التحايا، ومن ثم ساعة من النقاش المفتوح، والحديث عن المجتمع وارتفاع الأسعار، وصعوبة الحياة ، و«مشاكل» «الإمارات اليوم»، وغيرها من المواضيع العامة، همس قائلاً: «عندي موضوع أتمنى أن تتطرق إليه» أجبته : «بكل سرور، فمهنتنا على ما أعتقد أساسها مواضيع المجتمع وقضايا الناس»..
استرسل في الحديث وقال: «كنت في يوم من الأيام رجل أمن، تدرجت وترقيت ووصلت الى مكانة ممتازة، بذلت في 28 عاما من العمل الصعب كل جهد يمكن أن تتخيّله، لم يكن لدي وقت للانتباه الى نفسي وأسرتي وأطفالي، فموقعي كان حساسًا جدًا، ويتطلب بقائي أحيانًا في مكتبي لمدة ثلاثة أيام أو أربعة متتالية بلياليهن؛ وفجأة انتبهت صباح ذات يوم من نومي على صوت هاتف من مديري، يقول لي :«اعتذر منك بشدة، ولكن صدر قرار بإحالتك على التقاعد، فابق في بيتك».
ويضيف : «لم أعترض على ذلك فهذه سنة الحياة، ولن يبقى أحد في منصبه مهما طال الأمد، ولكن ما حزّ في نفسي أن خروجي من العمل الذي أمضيت فيه غالبية أعوام عمري، لم يكن بطريقة تناسب هذه السنوات الطويلة، فلم يسع أحد إلى تكريمنا، أو حتى إقامة حفل شاي على شرفنا نحن المتقاعدين، لنسمع منهم كلمة «شكرًا»، لقد وجدت نفسي فجأة في أمر واقع جديد لم أعتد عليه، لا منصب، ولا مكانة، ولاتقدير، ولا شكر، ولا راتب يستطيع المحافظة على مستوى الحياة التي كنت أعيشها قبل التقاعد؛ والأكثر من ذلك، لا أهمية لاسمي أو شخصي، وكأنها كانت مرتبطة بمرحلة وقتية فقط منتهية الأجل بنهاية الرحلة العملية».
ومن أجل ذلك فإن ثقافة الشكر يجب أن تكون «مؤسسية»، توضع لها قواعد وشروط، وبذلك لن ترتبط بأمزجة وأهواء وأفراد، فالدوائر والمؤسسات الحكومية مطالبة بوضع شروط للاحتفال بالمتقاعدين، تمامًا مثل القواعد والشروط التي تشترطها أثناء التعيين، وأعتقد أن ذلك لن يكلفها شيئًا يذكر بقدر ما لها من الإيجابيات المعنوية ما لا يمكن أن يقدرها ثمن.
«صاحبنا» المتقاعد قال في نهاية حديثه: «ما هوّن عليّ ألم إحالتي على التقاعد «هاتفيًا»، هو أن مديري الذي أبلغني صباحًا بالخبر، أحيل على التقاعد ظهر اليوم نفسه، وبأسلوب «الهاتف» أيضًا، فعرفت أن الحالة عامة ولست أنا المقصود شخصيًا!!
|