«تجار البيانات» يلتقطون ضحاياهم من الإنترنت بـ «مصايد» الكسب السريع

«تجار البيانات» يلتقطون ضحاياهم من الإنترنت بـ «مصايد» الكسب السريع

قسم: مانشيتات اخبار العالم «تجار البيانات» يلتقطون ضحاياهم من الإنترنت بـ «مصايد» الكسب السريع » بواسطة adams - 14 نوفمبر 2024

تحت عناوين مثل «الربح السريع»، أو «أسهل الطرق لتحقيق الأرباح»، تنتشر على صفحات التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الإلكترونية والتطبيقات الهاتفية، إعلانات عن شركات متخصصة في إجراء استطلاعات رأي «مدفوعة الأجر» محاولة استدراج ضحاياها – عبر إغرائهم بالحصول على حوافز وجوائز مادية وعينية – للتسجيل في مواقع هذه الشركات، مقابل تقديم معلومات وبيانات شخصية عن المشارك وعائلته، لتطالبه في مرحلة لاحقة بالإجابة عن أسئلة أخرى، مدرجة في استبيانات غامضة الأهداف.

متعاملون مع هذه الشركات أكدوا تعرضهم لعمليات احتيال، لافتين إلى أنهم سجّلوا بياناتهم الشخصية والعائلية، وفقاً لما طالبتهم به، إلا أنهم لم يحصلوا على المقابل المادي أو العيني الذي وعدوا به، فيما أفاد آخرون بأنهم سجلوا بياناتهم الشخصية ولم يتلقوا استبيانات للإجابة عنها، مشككين في هوية الشركات، ومتسائلين عن مصير المعلومات الشخصية الخاصة بهم.

وحذر خبراء متخصصون في أمن المعلومات من خطورة هذه الشركات على خصوصية الأفراد، لتنافيها مع مفهوم أمن المعلومات في الدولة، مشددين على ضرورة توخي الحذر في التعامل مع الاستبيانات غير الرسمية، أو غير المعتمدة حكومياً أو محلياً، لاحتمالية أن يكون لها أغراض مشبوهة، أو يكون الهدف منها استغلال المعلومات والبيانات الشخصية في أغراض تجارية، دون علم أصحابها على أفضل تقدير.

«الإمارات اليوم» سعت للتعرف عن كثب على أنشطة بعض شركات استطلاعات الرأي العام الإلكترونية، وطريقة عملها، عبر تجربة عملية للتسجيل في أحد هذه المواقع، كما حاولت التواصل مع المسؤولين عنها، إلا أنها لم تتلق ردوداً، لاسيما أن وسيلة التواصل الوحيدة معها هي البريد الإلكتروني.


«الربح يصل إلى 15 درهماً للاستطلاع الواحد».. بهذه الجملة روّج موقع إلكتروني يزعم تبعيته لشركة عالمية متخصصة في بحوث استطلاعات الرأي العام، لجذب رواد شبكات التواصل الاجتماعي من المواطنين والمقيمين في الدولة، للعمل معها، من خلال خدمة الإعلانات المدفوعة، موضحاً أن «كل ما على الراغب في الاشتراك فعله هو الضغط على رابط الصفحة الخاصة بموقع الشركة، والبدء بالتسجيل».

الخطوة الأولى من عملية التسجيل تتطلب كتابة البيانات الشخصية للمشترك وأسرته، مثل الاسم الرباعي، والبريد الإلكتروني، والرمز البريدي، والعنوان، وتاريخ الميلاد، وغيرها من التفاصيل الدقيقة، فيما تطلب مواقع أخرى بيانات أكثر تفصيلاً عن الهويات الشخصية والوظائف والديانة وأرقام الهواتف، وغيرها من الأسئلة الشخصية.

وبمجرد استيفاء نموذج استمارة التسجيل، تظهر الخطوة اللاحقة تحت عنوان «تعهد»، وفيها تحذّر الشركة من وضع أي بيانات غير صحيحة عن شخصية المشترك، بزعم أن لديها وسائل خاصة تتيح لها التأكد من صحة البيانات. وتنص الرسالة التحذيرية على أنه «يجب أن تكون المعلومات التي تقدمها صحيحة، وهذا راجع إلى الأهمية التي نعطيها لاختيار أعضاء صادقين للمنتدى وأجوبة صادقة. لدينا أدوات آمنة للكشف عن أي معلومة غير صحيحة قد تكون زودْتنا بها، وفي حال تأكد ذلك، فإن حسابك لن يصبح نشطاً، أو سيلغى بعد تنشيطه بفترة وجيزة. وإذا امتنعت عن إعطاء معلومات صحيحة عنك أو عن أسرتك، فإن عضويتك لن تقبل».

وحتى تضمن الشركة أن البريد الإلكتروني للمشترك ليس وهمياً، ترسل رابطاً عبر البريد الإلكتروني لإتمام عملية التسجيل والولوج للموقع لاستكمال الخطوة الأخيرة، وهي اختيار نوعية الاستبيانات التي يفضلها المشترك، مع تسجيل المعلومات كافة عن مؤهله الدراسي وبيانات تفصيلية إضافية.

ما يثير الريبة في هذه الشركات، عدم وجود وسيلة للتواصل المباشر مع مسؤوليها أو ممثليها، أو حتى خدمة عملائها (مثل أرقام هواتف أو عناوين)، إذ تتوحد المواقع المعنية بهذه الاستطلاعات في الاكتفاء بعناوين للبريد الإلكتروني، أو بنموذج لرسالة إلكترونية يرسلها من يريد التواصل معها.

كما أن غالبية الشركات تسوّق لنفسها على مواقع التواصل الاجتماعي بأنها فروع لشركات بريطانية أو أميركية أو أوروبية. أو في بعض الأحيان لشركة عربية، دون الإفصاح عن هويتها. وفيما تظل مجهولة للمشتركين، تحصل هي على كل ما تطلبه من بيانات ومعلومات شخصية وعامة.

«فخ ثلاثي»

«كلما قدّمت بيانات أكثر ربحت أكثر».. هكذا تحاول الشركة إغراء وجذب متصفحي مواقعها، لافتة إلى أن المتعاون معها سيتلقّى عدداً أقل من استطلاعات الرأي في حال تركه حقول المعلومات المطلوبة عنه فارغة، كما تؤكد الشركة، من خلال النصائح التي وضعت نسخة منها على موقعها الإلكتروني لراغبي التسجيل، أن «هذه الخطوة مهمة وتستحق استقطاع بعض الوقت للقيام بها»، مشددة على أن زيادة كم المعلومات الديموغرافية التي تتلقّاها شركات بحث الأسواق عن المشتركين تزيد من عدد استطلاعات الرأي التي تُرسل إليهم، ومن ثم زيادة الربح – على حد قولها – في محاولة لترغيب المشتركين في استيفاء البيانات الشخصية.

«الإمارات اليوم» تحدثت مع أشخاص خاضوا تجربة التعامل مع هذه الشركات للوقوف على مدى صدقيتها من عدمه. وقالت شيماء سمير، التي وصفت نفسها بإحدى ضحايا «الشركات الوهمية»: «عرفت الشركة عن طريق (فيس بوك)، حيث وجدت إعلاناً عن إمكان العمل من المنزل وربح أموال طائلة شهرياً دون مجهود، عبر الإجابة على استبيانات رأى في مجالات متعددة».

وأضافت: «لم أتردد في تعبئة البيانات الشخصية الخاصة بي وبأسرتي، لكنني فوجئت بأن عليّ دفع رسوم لضمان جدية المشترك لإنهاء التسجيل، بحسب سياسة هذه الشركة، فدفعت الرسوم أملاً في الحصول على فرصة عمل تناسب ظروفي الشخصية. وبعد الانتهاء من الخطوات المطلوبة مني انتظرت أن يصلني أي استبيان أو رسالة من هذه الشركة إلا أن هذا لم يحدث، كما لم أستطع الوصول إلى أي معلومات عن الشركة أو مقرها أو أي العاملين فيها، فأيقنت أنها مجرد شركة وهمية، كان الهدف منها الحصول على الاشتراك الذي دفعته، وبياناتي الشخصية التي لا أعلم في ما ستستخدمها».

وتحكي أمل عايش تجربة مماثلة: «كنت أبحث عن فرصة عمل على مواقع التوظيف، حتى وصلني إعلان عبر البريد الإلكتروني الخاص بي عن فرصة للعمل من المنزل عبر الإجابة على استبيان قصير مقابل الحصول على مبلغ مالي»، لافتة إلى أن «الإعلان حدد ثلاث طرق للربح: الأولى الحصول على مبالغ شهرية نقداً عن طريق جمع نقاط تستبدل بالمال، والثانية الحصول على بطاقات هدايا، وأخيراً الدخول في سحب على جوائز قيّمة».

وأضافت عايش: «سجلت مع الشركة، التي كانت ترسل لي نحو ثلاثة استبيانات شهرياً عن موضوعات مختلفة، بعضها اجتماعي عن نمط الحياة أو الأسواق أو بعض المنتجات، وبعضها عن أسئلة شخصية حول تفضيلاتي وهواياتي، ولم تكن الاستبيانات تستغرق كثيراً من الوقت، فأنجزتها جميعها وانتظرت أن أحصل على المقابل المادي الموعود، إلا أن ذلك لم يحدث على الرغم من مرور أكثر من ثلاثة أشهر. وعندما تواصلت معها عبر البريد الإلكتروني للسؤال عن أسباب ذلك، كان الرد أن هناك حداً أدنى لعدد الاستبيانات المطلوبة مني لإرسال 100 دولار لي، باعتباره أقل مبلغ يمكن إرساله، ونصحوني بتكثيف نشاطي حتى أستطيع تحصيل المبلغ». وأكدت عايش أنها قررت بعد هذه الرسالة وقف التعامل مع الشركة المزعومة، ولم ترسل لها أي استبيانات جديدة، مشددة على أنها تعرضت لعملية احتيال تهدف للحصول على معلومات شخصية.

الربح الإلكتروني

وذكرت نعيمة سعيد الزعابي أنها سعت للتعاون مع إحدى الشركات، وبمجرد إتمام التسجيل وكتابة بياناتها وأرقام التواصل الخاصة بها، تلقت رسالة تحتوي رابطاً إلكترونياً نقلها إلى صفحة غير نشطة، مضيفة أنها حاولت التواصل مع الشركة لكن دون جدوى. ولم يتعرّف محمد خالد على شركات استطلاعات الرأي عن طريق الإعلانات المباشرة، بل وصل إليه عبر منتديات خاصة باسم «الربح الالكتروني». يقول: «وجدت حساباً لشخص يدعى إسلام، كتب تدوينة مطولة في المنتدى عن مصداقية شركة متخصصة في استطلاعات الرأي، يعمل معها، وتحدث عن أنه استطاع أن يجني أموالاً طائلة عن طريقها. كما حوت التدوينة نصائح بضرورة الاشتراك عن طريق ما يعرف بالريفيرال (الاشتراك عن طريق شخص مشترك فعلاً في الشركة حتى يستطيع الاثنان جني أموال أكثر)».

وأضاف خالد: «لم يكن الغرض من التدوينة الحث على الاشتراك فقط، لكن الترويج لفكرة الريفيرال، من خلال إقناع أصدقائه بالاشتراك لزيادة فرصة الربح، ولتحقيق مراده وضع صورة لإيصال تحويل أموال له زعم أنه من الشركة، وهو ما حفّزني على الاشتراك، كما أقنعت عدداً من أصدقائي بالسير على نهجي على أمل استثمار الوقت الذى نقضيه على الانترنت في الربح وزيادة الدخل».

وأكمل: «بدأت في تلقي استبيانات والإجابة عنها، وبعد نحو خمسة أشهر عمل أرسلت لي الشركة رسالة تفيد بأنني ربحت ستة دولارات، وأنه علي ترقية عضويتي نظير اشتراك شهري بمبلغ ستة دولارات لاستئجار ريفيرال، أي مشاركين آخرين يعملون تحت حسابي، حتى أوسع فرصي في ربح مزيد من المال».

وأكد خالد أنه أيقن، بعد تلقيه هذه الرسالة، أنه وقع ضحية محاولة استغلال من خلال إغرائه بالربح السريع، بينما كان هدف الشركة الحصول على عضويات شهرية ومبالغ تحصّلها دون عائد حقيقي للمشتركين، مشدداً على أن «هذا النوع من الإعلانات يعتبر تضليلاً للباحثين عن الربح السريع».

وقال سعيد الظاهري: «على الرغم من أن الموضوع مغرٍ ولا يتطلب وقتاً، حسب ما تعلنه الشركات، فإني تراجعت عن إتمام تسجيلي عندما طلبت شركة معلومات شخصية جداً عن أسرتي وأرقام الهواتف والبريد الإلكتروني، فضلاً عن طلبها معلومات تفصيلية عن وظيفتي وطبيعة الشركة التي أعمل فيها»، لافتاً إلى أنه استشعر خطورة الإدلاء بكل تلك التفاصيل دون وجود أي معلومة عن الشركة أو معرفة مقر لها، أو حتى أرقام مباشرة للتواصل.

تجار البيانات

حذّر خبراء ومتخصصون في أمن المعلومات من خطورة جهات استطلاعات الرأي العشوائية وغير المعتمدة على خصوصية الأفراد، لتنافيها مع مفهوم أمن المعلومات في الدولة، مؤكدين أن هذه الشركات تتبع أسلوب «التصيّد الاحتيالي» للإيقاع بضحاياها الذين يسلمونها بياناتهم الشخصية والعائلية وغيرها من المعلومات ولا يدركون إمكان استخدامها في أغراض تجارية، أو مجهولة، ومشبوهة، دون تعرضها لأية مساءلة أو ملاحقة قانونية.

وأفاد عضو المجلس الوطني الاتحادي، المتخصص في تقنية وأمن المعلومات، سعيد صالح الرميثي، بأن شركات ومؤسسات استطلاعات الرأي تنتشر بشكل كبير في الدول الغربية، وبعضها يقدم مقابلاً مالياً للمتعاونين معها فعلاً. وقال الرميثي: «هناك شركات تسيء استخدام المعلومات التي تحصل عليها من المتعاونين معها، لاسيما أن هذه المعلومات تكون ذات شقين: الأول أمني من ناحية أمن المعلومات، والآخر يتعلق بالمعاملات المالية والاقتصادية، إضافة إلى أنها قد تكون وسيلة لتحديد الموقع الذي يعيش فيه الشخص المتعاون».

وأضاف: «هناك نوع من الشركات يجمع المعلومات لأهداف غير واضحة، والخطورة تكمن في أن معظمها لا يعطي خصوصية للمعلومات التي يحصل عليها».

وهو ما أيّده خبير تقنية المعلومات، أمين سر جمعية الإمارات للملكية الفكرية، الدكتور عبدالرحمن المعيني، محذراً من تداعيات استخدام المعلومات في أغراض غير مشروعة.

وقال المعيني إن غالبية الشركات تجمع البيانات الشخصية للمتعاونين معها بهدف بيعها كقواعد بيانات لشركات التسويق. وأضاف أن الشركات تعمل بشكل غير قانوني، لأن أي استبيانات تتم داخل الدولة يجب أن تجرى عبر مصادر رسمية أو بإذن مسبق منها، مثل مركزي الإحصاء في دبي وأبوظبي، وإلا فإن هذه الاستبيانات تعتبر غير قانونية، ويجب على المواطنين والمقيمين عدم التعامل معها مهما كانت الإغراءات.

وتحدث الخبير الأمني بإحدى شركات أمن المعلومات، طلال وزاني، عمّا يعرف بـ«التصيد الاحتيالي»، قائلاً إنه أحد أشكال الهندسة الاجتماعية، حيث يدّعي المهاجم أنه شخص أو جهة موثوق بها ليتمكن من سرقة المعلومات الخاصة بالأشخاص، لأهداف مختلفة معظمها خفية.

وأضاف وزاني: «هذه الجهات تعتمد في عملها بالأساس على العنصر البشري، بعيداً عن التفاعل والعمل على اختراق الحسابات والأجهزة، عبر ما يُعرف بالهندسة الاجتماعية». وهو المصطلح الذي عرّفه التقني في مجال أمن المعلومات، هشام محمد، بأنه «نوع من التلاعب بالبشر وخداعهم بهدف الحصول على بيانات أو معلومات أو أموال كانت ستظل خاصة وآمنة ولا يُمكن الوصول إليها». وقال محمد إن «الشخص الذي يستهدفك تكون له دوافع معينة، وتالياً لا يُمكن الاستهتار بأي معلومة تقدمها لأي أحد مهما كانت المغريات، لأن الخسائر غالباً ما تكون فادحة


بنوك إلكترونية وتطبيقات هاتفية

«الإمارات اليوم» تتبعت عدداً من منتديات الربح الإلكتروني، وتصفحتها، فوجدت إعلانات من شركات تشرح فيها طريقة تحويل الأموال، في محاولة لطمأنة الراغبين في التعاون معها إلى سلامة إجراءاتها.

وذكر حساب إحدى الشركات أن على الراغبين في التعاون معها التسجيل في أحد البنوك الإلكترونية (تحتفظ الصحيفة باسمه) مع تسجيل البيانات الشخصية والعائلية المطلوبة.

ولم يقتصر نشاط تلك الشركات على مواقع التواصل الاجتماعي، بل توسع ليشمل تطبيقات الهواتف المحمولة بغية الوصول لأكبر عدد من المشتركين، لاسيما أن بعضها قام بتسهيل إجراءات التسجيل لإغراء المترددين على استيفاء حقول البيانات الشخصية التي كانوا يتجاهلونها في الموقع الإلكتروني، سواء بسبب الملل من الخطوات، أو حتى الخوف من الإدلاء ببيانات تفصيلية، فكان البديل الوصول للمستهدفين عن طريق الهواتف، حيث تحصل الشركة على المعلومات الخاصة بالراغب في التعاون، بمجرد تثبيت التطبيق على الهاتف الشخصي.

طلال وزاني:

«التصيد الاحتيالي أحد أشكال الهندسة الاجتماعية، إذ يدّعي مهاجم أنه موثوق به ليتمكن من سرقة معلومات خاصة بآخرين».

هشام محمد:

«من يستهدفك له دوافع معينة، ولا يُمكن الاستهتار بأي معلومة تقدمها له مهما كانت المغريات، لأن الخسائر غالباً ما تكون فادحة».

ضحايا:

«غالبية الشركات تظل مجهولة الهوية للمشتركين، فيما تحصل هي على كل ما تطلبه من بيانات ومعلومات شخصية وعامة».

مانشيتات قد يهمك