«عسر القـراءة».. مرض الأذكياء أحياناً
يخطئ الطفل، أحياناً، في كتابة الحروف المتشابهة، التي تختلف عن بعضها في سمات صوتية بسيطة، فنرجع السبب إلى حدوث لبس، و يأخذ وقتاً طويلاً في كتابة جملة فنبرره بالنعاس او بالكسل، وقد يكتبها بخط مائل فنقول إنه لا يتمتع بموهبة الخط الجميل، وحينما يتجنب قراءتها بصوت عالٍ نعتقد أنه طفل خجول، ولكننا قد نغفل عن تصنيفها كعلامات لمرض عسر القراءة، أو ما يسمى (الديسلكسيا)، التي لابد وأن تخضع للتشخيص والتقويم في سن مبكرة، للإسراع في علاجها، ورغم هذا فإن ظاهرة الاهتمام بمرض عسر القراءة حديثة في وطننا العربي، الذي يعاني قلة الإحصاءات بشأن هذا المرض، حتى انها تكاد تكون معدومة، ويفتقد لاختبارات تقويم الاطفال التي غالباً ما تكون مترجمه عن اللغة الأجنبية، الأمر الذي يؤثر في دقة النتائج.
وتقول د.صبرية محمد العلاوي، العضو في الجمعية العربية لصعوبات التعلم، إن «الديسلكسيا» هي صعوبة القراءة التي تعد أحد أنواع صعوبات التعلم، وتنتج عنها مشكلات في تعلم المهارات الأساسية للغة، وتحديداً اللغة المكتوبة، والمصابون بها هم من ذوي الذكاء المتوسط أو فوق المتوسط، وقد يكونون في اكثر الأحيان من الموهوبين».
وهذا ما أكده الأستاذ ناظم فوزي، من إدارة الفئات الخاصة في وزارة الشؤون الاجتماعية، قائلاً إن «العديد من تعريفات عسر القراءة تشترط وجود قدرات عقلية متوسطة أو فوق متوسطة من أجل تشخيص الإصابة به».
وتوضح العلاوي أن الدراسات تشير إلى أن «السبب الأساسي لصعوبة القراءة ذو منشأ عصبي، وأن بعض الاضطرابات في المخيخ قد تكون السبب وراءها».
ويذكر فوزي أنه «من السهل التعرف إلى خصائص (الديسلكسيا)»، وملاحظتها على الأطفال، وفي مقدمتها اللغة ومشكلاتها، التي قد تتمثل في القراءة فقط، وقد تصاحبها مشكلة في طريقة الكتابة، وتقول علاوي ان «القراءة عند المصابين بـ(الديسلكسيا) تكون في معظم الأحيان بطيئة، وغير صحيحة، ويواجهون فيها صعوبات في التهجئة، حيث لا يتذكرون الحروف والمقاطع لتكوين الكلمات، لذا يتجنبون القراءة بصوت عال خشية أن يضحك عليهم زملاؤهم».
وتكمل علاوي ان هؤلاء الاطفال «غالباً ما يواجهون صعوبة في فهم الدلالات التي يقرأونها، وفي استخراج الأفكار من النصوص، أو الإجابة على الأسئلة من النصوص المقروءة، كما يفتقدون القدرة على القراءة المسحية».
أما عن خصائص الكتابة لديهم فيقول فوزي إنها «دقيقة الشكل، ومائلة ومتشابكة الحروف، وعدم التمييز بين الحروف المتشابهة في الكتابة وكذلك في القراءة، والتي تختلف عن بعضها في بصمات صوتية بسيطة مثل (ح،ج،خ)، ويعانون عدم إدراك مكونات الكلمة من أصوات وحروف».
وهنا يؤكد فوزي ان المدرسة «تلعب دوراً كبيراً في اكتشاف هذه الخصائص، إلا أن غياب المعرفة وقلة الخبرة لدى بعض المدرسين والمدرسات لا يسهم في ذلك، حيث يعتقدون أن المصابين به يعانون من تدني المستوى الأكاديمي فقط، ولا يحاولون البحث كثيراً عن الحلول، بل يعملون على تغييبهم في الفصل، وذلك من خلال وضعهم في آخره، وتفادي الحوار والنقاش معهم، الأمر الذي يزيد الوضع سوءاً».
وتذهب علاوي لتأييد ذلك بقولها «إن بعض المدرسين لعبوا دوراً كبيراً للأسف في تسرب مصابي (الديسلكسيا) من المدرسة في سن مبكرة، حيث لم يجدوا من يمد لهم يد العون، وينتشلهم مما هم قابعون فيه، للتغلب على المرض، الامر الذي لا يتم إلا بتضافر جهود المدرسة والاخصائيين في هذا المجال».
وهناك صعوبات أخرى تتعدى القراءة والكتابة، يعانيها مصابو (الديسلكسيا)، منها كما تقول علاوي «صعوبات أخرى تتعلق بالذاكرة، لاسيما القصيرة الأمد، حيث يجدون صعوبة في تعلم مهارات أو معلومات جديدة، لاسيما تلك التي تحتاج إلى تسلسل في حفظها مثل أرقام الهواتف، أو سرد الأحداث بشكل مرتب، ويعانون ضعفاً في مهارات الترتيب كالتأخر عن المواعيد، ونسيان الكتب المدرسية في البيت»، وبلا شك ان عملية الترتيب والتنظيم ترتبط بشكل أساسي بالذاكرة، كما ترى علاوي «ان هناك مشكلات اخرى تتعلق بالتوازن، ويعاني منها 40-70%، حيث يتعثرون بالأشياء من حولهم، ويجدون صعوبة في قيادة الدراجة، والتقاط الكرة، ومن الملاحظ انخفاض مستوى ثقتهم بأنفسهم، التي تعود إلى أن عملية تحليل المدخلات السمعية ليست أوتوماتيكية»، وفي الغالب، كما تؤكد علاوي، «يحتاجون لوقت أطول لفهم المعلومات في المحادثات التي تدور بين الأشخاص من حولهم، كما قد يكون تدني مستواهم الأكاديمي، وعدم مقدرتهم على الوصول إلى المستوى المطلوب منهم، سببا إلى شعورهم بالدونية وعدم الثقة بالنفس».
وعن تشخيص «الديسلكسيا» يقول فوزي انه «ليس بالأمر البسيط، إذ يحتاج إلى تضافر جهود أهل الاختصاص في مجالات عدة لاسيما النفسي والاجتماعي، وهو يعتمد على مجسات تشخيصية معينة يعلمها المختصون، تقوم على استبعاد وجود عوامل مثل عدم وجود فرص تعليم ملائمة للطفل، والإعاقة العقلية أو الإعاقة السمعية أو البصرية، وعدم وجود عوامل نفسية واجتماعية تحول دون تعلم الطفل مهارة القراءة، تستغرق مرحلة التشخيص أكثر من شهر يخضع خلالها للاختبارات والتقييمات المختلفة لتشخيصه التشخيص الصحيح».
أما عن عملية التقويم لـ(الديسلكسيا) التي غالباً ما تستغرق الشهر، فيذكر فوزي أنها «تعد حجر الزاوية في التعرف بشكل دقيق إلى الأطفال ذوي عسر القراءة»، بغرض الوصول إلى «صورة شاملة حول طبيعة المشكلات» التي يعاني منها الطالب، وبالتالي إتاحة المجال أمامهم لتلقي الخدمات التربوية والعلاجية الملائمة، إلا أنه «يكتنفها الكثير من الصعوبات والمعيقات»، حيث «يواجه العاملون في مجال تقويم وعلاج صعوبة القراءة أو صعوبات التعلم بشكل عام الكثير من المشكلات والتي يمكن إجمالها في عدم وجود اختبارات مقننة ذات مرجعية معيارية تتناسب مع البيئة المحلية».
وعن طرق علاج (الديسلكسيا) يقول فوزي انها تتنوع حيث «لكل طفل خطة فردية للعلاج» خاصة به، يحددها المختصون بعد إجراء التقويم الشامل للطفل، ويتم التركيز فيها على الصعوبات التي يعاني منها، و«تعتمد على سرعة تقبله للعلاج وشدة الإصابة، وتختلف مدتها من طفل إلى آخر، وهناك العديد من الحالات التي خضعت للعلاج وشفيت».
عمالقة رغم المرض
لا يقف عسر القراءة حاجزاً يحول دون الإبداع والتميز، الأمر الذي أثبته عمالقة السياسة والعلوم والأدب والفنون وشتى المجالات، ومن الذين عانوا منه: لا في السياسة: الرئيس الأميركي الراحل جورج واشنطن، وجون كندي، ونستون تشرشل. ف في العلوم: توماس أديسون، ألبرت أينشتاين، وألكسندر جراهام بل.
في في الأدب: الكاتبة أغاثا كريستي في في الفن: ليوناردو دافنشي، بابلو بيكاسو. في في الرياضة: الملاكم محمد علي كلاي، بروس جينر. ف في التمثيل: توم كروز، هاري أندرسون، أورنالدو بلوم، وبيكولد بيرج.