مرافقو زايد: كان خيراً أينما حلّ
ترجل القائد الفذ الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، بعد أن أعطى بلاده وأمته، كل معاني الإنسانية والخير، وبذل جهوداً مضنية من أجل بناء دولة الإمارات العربية المتحدة، والانطلاق بها إلى رحاب العالمية.
شهادات مرافقي «زايد الإنسانية»:– كان يأمر سائقه بالتوقف عند أشجار الطريق، ويترجل بنفسه ليشذبها. – مريض خليجي لجأ إليه في إحدى رحلاته إلى أميركا، فتكفل بعلاجه. – سدد دين إماراتية لجأت إليه في سويسرا، وأمر بصرف ما يكفيها وابنتها. |
13 عاماً مضت على رحيله، طيب الله ثراه، إلا أنه لايزال يسكن في نفس كل مواطن ومقيم على أرض الدولة.
من عاصروه ورافقوه في حله وترحاله يؤكدون أنه كان خيراً أينما حلّ، كما أنه لم يكن قائداً فحسب، إنما كان أباً وإنساناً عظيماً، وقلباً نابضاً بالحب والإنسانية، وسبّاقاً لتقديم العون والمساعدة لمحتاجيها.
ورووا مواقف عايشوها معه تؤكد أنه رجل قلما يجود به الزمان، فهو حكيم في اتخاذ القرار، سخي في العطاء، فارس نبيل امتطى جواد الحرية ليرسي قواعد الحق والعدل والمساواة التي شيد عليها دولة الإمارات.
وتفصيلاً، قال المواطن علي عبيد بالرشيد الكتبي، الذي رافق المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، 22 عاماً من عام 1982 حتى 2004، «كان الشيخ زايد يكرم الجميع بسخائه وعطفه عليهم وحبه لهم، إذ كان مجلسه مفتوحاً ليل نهار، يستقبل فيه الجميع وينصت إليهم دون كلل أو ملل، بل كان يسألهم بنفسه عن حاجاتهم بسؤاله المعتاد الذي كان يوجهه بحنو وعطف لأصدقائه ومرافقيه وجلسائه إذا شعر بأن في نفس أحدهم حاجة (عليك قاصر؟) أي بمعنى تشتكي من نقص أي شيء».
وقال: «أثناء مرافقتي له رحمه الله في رحلاته داخل مناطق ومدن الدولة المختلفة لتفقد أحوال المواطنين، كان يتوقف في الطريق حين يرى شخصاً واقفاً، ويسأله عن حاجته، كما كان يأمر سائقه الخاص بالتوقف عند أشجار الطريق، ويترجل بنفسه من المركبة من أجل أن يشذب أطراف شجرة أو يخلصها من الحشائش الزائدة، رغبة منه في أن تبقى ظلالها مهيأة لكل عابر طريق».
وحول قصص كرم وسخاء المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، قال الكتبي: «في إحدى المرات كنت مرافقاً للشيخ زايد في رحلة سفر للولايات المتحدة الأميركية، وحين أخبروه أن شخصاً من دولة خليجية أتى رغبة في مقابلته طلب من مرافقيه على الفور إحضاره، واستمع إليه بإنصات، وعلم منه أنه يعاني مرض الكبد الوبائي، وكلفة علاجه كبيرة جداً لا تسمح له طاقته المالية بتوفيرها، فأمرالرجل بالتوجه إلى أكبر مستشفيات ولاية واشنطن، وتكفل بكلفة علاجه كاملة، على الرغم من أنها تعدت حاجز المليوني درهم».
من جهته، قال محمد خميس بالروية الخييلي: «رافقت المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، خلال الفترة من 1969 حتى 2004، من خلال عملي معه ضمن الحرس الخاص، إذ بدأت مرافقاً عسكرياً، وبعد أن خضعت لدورات تدريبية في هذا المجال، أصبحت مرافقاً مدنياً، وطوال هذه الأعوام تعلمت منه الحكمة، والشجاعة، والتأني، والتواضع، والكثير من الصفات».
وأضاف: «كان الشيخ زايد، يمنح الآخرين كثيراً من الاهتمام والإنصات، لا أنسى حين تقدمت إليه مع اثنين من أصدقائي لطرح مبادرتنا للعمل معه في الحرس الخاص، مع بداية توليه حكم إمارة أبوظبي، يومها استمع لنا باهتمام وإنصات بالغين، ورحب بالفكرة، وتقدمتُ مع 60 مواطناً للعمل في الحرس الخاص بعد خضوعنا لدورات عسكرية». وعن المواقف التي تدل على جود وكرم الشيخ زايد، أكد الخييلي «شهدت معه رحمة الله عليه مواقف إنسانية كثيرة تفيض بها ذاكرتي ويعجز لساني عن سردها، ففي إحدى المرات كنت مرافقاً له في إحدى سفرياته إلى سويسرا، وعند خروجي من باب الفندق الذي كنا نقيم فيه مع الشيخ زايد، صادفت امرأة مواطنة مع ابنتها تهم بالدخول إلى الفندق، فعرفتني ونادت عليّ، وحين التفت إليها قالت لي: أريد مقابلة الشيخ زايد لأمر مهم، وبعد أن جلست معها واستوضحت منها التفاصيل، عرفت أنها تدين لصديقة لها (من جنسية عربية) بمبلغ مالي كبير كانت قد أودعته لديها واضطرت إلى صرفه بسبب ظروف صعبة مرت بها، وبعد خمسة أشهر من صرف المبلغ فوجئت بصديقتها تطالبها بالمبلغ التي لم تجد أمامها إلا التوجه للأب الحنون الشيخ زايد، رحمه الله، للسداد وسافرت إليه في سويسرا».
وتابع «عندها أخبرتُ حمد بن سوقات، الذي كان مرافقاً مدنياً للشيخ زايد بالأمر، وبدوره أوصله للشيخ زايد، الذي لم يتردد في منح المرأة المبلغ لسداد دينها، علاوة على مبلغ إضافي كبير مساعدة لها وابنتها».
فيما قال المواطن خليفة بن راشد بن خليف الطنيجي، أحد أصدقاء الشيخ زايد، الذي كان مرافقاً له في مجالسه ورحلات (القنص) أعواماً طويلة: «كان لي الشرف في رفقة الشيخ زايد نحو عقد من الزمن، وكانت البداية مع ظهور البترول في أبوظبي (1958) وبدء دخول شركات النفط، إذ انتقل كثيرون للالتحاق بالعمل فيها، فقررت التوجه إلى أبوظبي، وكانت تلك المرة الأولى التي ألتقي فيها الشيخ زايد الذي أكرمني وأحسن استقبالي، ومنذ تلك اللحظة أصبحت أنال شرف مرافقته، خصوصاً في رحلات القنص والصيد، فالشيخ زايد مدرسة بحد ذاته، تتعلم منه كل يوم درساً في الشجاعة والشهامة والكرم والحلم والعدل وحب الآخرين وهو الخير أينما حلّ».
وأضاف الطنيجي: «المغفور له لم يكن حاكماً فحسب، إنما كان أباً وإنساناً عظيماً وقلباً نابضاً بالحب والإنسانية وسباقاً بتقديم العون والمساعدة، وزادت فرحته مع ظهور النفط ورغب في مشاركة شعبه لهذه النعمة، وطلب منهم عدم التردد بطلب كل ما يحتاجونه، إذ قدم لهم الأراضي، ووفر لهم الوظائف والبيوت والمزارع، حرصاً منه على استقرار حياة جميع المواطنين، وتطلعاً لتأمين حياتهم ومستقبل أبنائهم وأحفادهم».
وقال الطنيجي: «كانت أعداد كبيرة من الناس تجتمع في مجالس الشيخ زايد رحمه الله، كانت بمثابة مدارس لهم، تلقي فيها القصائد وتحكي القصص وتدرس المواعظ الدينية، ولا يخرج أحد إلا وقضى حاجته راضياً فرحاً، وكان طيب الله ثراه يشاركهم على الموائد العامرة». لقد حبا الله على هذا القائد المميز بصفات جعلت منه رجلاً استثنائياً على جميع الصعد، فقد امتاز بسعة الصدر والحلم والشجاعة في التعامل مع مختلف المواقف وجموع الناس التي كانت تفد إليه بشكلٍ يومي. واليوم نحصد الثمار التي أينعت في أبنائه وأفراد شعبه من المواطنين «عيال زايد».