الصراخ والتوبيخ والاستهزاء.. أبرز أشكال تنمر معلمين على الطلبة
تلقت «الإمارات اليوم» شكاوى من ذوي طلبة في مدارس خاصة، تفيد بتعرض أبنائهم لعنف وتنمر من قبل المعلمين، في صور مختلفة أبرزها التوبيخ، والصراخ، والاستهزاء، فيما أكدت دائرة التعليم والمعرفة أن المعلمين ملزمون بعدم اتخاذ أي إجراءات تأديبية تتضمن العقاب البدني أو النفسي أو الإساءات اللفظية أو أي عقاب يمكن أن يتسبب في إلحاق أذى بدني أو نفسي للطلبة (مثل السخرية من وجهة نظر الطالب).
وتفصيلاً، أكد ذوو طلبة لـ«الإمارات اليوم» ملاحظتهم تهرب أبنائهم من الذهاب للمدرسة، واختلاق الحجج والأعذار، وعند الاستفسار عن الأمر اكتشفوا خوفهم من المعلمين بسبب الصراخ الدائم داخل الصف، والاستهزاء بهم وإشعارهم بالدونية، حيث أشارت والدة طالب في الصف الثالث، صفاء السيد، إلى أن ابنها بات يكره المدرسة، ويختلق أسباباً مختلفة حتى يتمكن من التغيب عن مدرسته، وبعد محاولات عدة علمت منه أن معلمة الصف تستخدم أسلوب الصراخ عليه دائماً وتوبخه أمام الطلبة لتلعثمه في القراءة، حيث إنه خجول بعض الشيء، وسبق أن أوضحت لها هذا الأمر إلا أنها لم تراعِ نفسيته، ولم تحاول أن تزيد ثقته بنفسه بل على العكس تسبب أسلوبها في ضرر نفسي شديد للطفل.
وقالت والدة طالب في الصف الثاني بمدرسة منهاج بريطاني في أبوظبي، مرام سعيد: «صُدمت عندما سألني ابني لماذا لا يوجد شيء داخل دماغي مثل بقية أصدقائي، وأخبرني بأن معلمته دائماً ما تشاور على رأسه وتقول له لا يوجد مخ هنا، وأن زملاءه في الصف يضحكون عليه»، مشيرة إلى أنها راجعت المدرسة فأخبروها بأنهم سيتحققون من الموضوع، ولم يصلها أي رد رغم أن الشكوى كانت في منتصف شهر نوفمبر الماضي.
فيما أكدت إحدى الأمهات، رضوى أحمد، أن ابنتها في الصف الأول بإحدى المدارس الخاصة في أبوظبي، سبت أختها الكبيرة بلفظ «عمى في عيونك»، وعندما استفسرت منها أين سمعت هذا الكلام، فوجئت بأن معلمة التربية الإسلامية تصرخ فيهم وتقول «عمى في عيونكم»، و«عمى في قلوبكم»، وغيرها من الألفاظ.
وأيدتها في الرأي منال ثابت، والدة طالبة في الصف الثالث، مشيرة إلى أنها لاحظت أن ابنتها تضع يدها في خصرها وتصرخ على شقيقها، واتضح أنها تقلد معلمتها التي تقوم بالحركة نفسها أثناء الصراخ عليهم في الصف.
وأشار والد طالبة بالصف الثاني أحمد طلال، إلى أن ابنته عادت إلى المنزل تبكي وتؤكد كرهها للمدرسة وعدم رغبتها في الذهاب إليها مرة أخرى، وأخبرته بأن أحد الطلبة اشتكى للمعلمة بأنها أخذت قلمه اللاصق «Glue pen» فقامت المعلمة بنهرها والصراخ في وجهها وأخذ القلم منها وإعطائه لزميلها، رغم تأكيد ابنته للمعلمة أنه قلمها وليس قلم المشتكي.
وقال: «ذهبت في اليوم الثاني للمدرسة للاستفسار عن سبب عنف وصراخ المعلمة في وجه ابنتي، وكيف تأكدت من أن القلم يخص الطالب الآخر، وفوجئت بأن الطالب أعاد القلم لابنتي، حيث اكتشف بعد عودته لمنزله أن قلمه داخل حقيبته المدرسية»، لافتاً إلى أن المعلمة بررت فعلتها بأن الطالب المشتكي ذكي ومتفاعل في الصف، ما أعطاها شعوراً بأنه على حق.
فيما أشارت والدة إحدى الطالبات في رياض الأطفال، وفاء شهدي، إلى أن ابنتها عادت من المدرسة سعيدة وأخبرتها بأن المعلمة لصقت على يدها «استيكر نجمة» كمكافأة لها، بسبب وضعها يدها على فمها طوال اليوم وعدم الحديث نهائياً، لافتة إلى أن ابنتها أكدت لها أن المعلمة تطالبهم بالصمت وعدم الحديث، وتصرخ في وجه من يتحدث أو يتحرك من مكانه.
وأجمع ذوو الطلبة على أن المدارس الخاصة لا تتخذ أي إجراءات ضد هذا السلوك حتى تمنع تكرار هذا العنف، ودائماً ما تبرر للمعلمين أفعالهم بحجج واهية، وتُرجع الأمر إلى انفلات أعصاب المعلم بسبب سلوك الطلبة، مشيرين إلى أن صراخ معلمين وتعاملهم مع الطلبة بكثير من التكبر والتهكم، والاستفزاز، وإشعار بعضهم بأنهم أقل من أقرانهم وتعريضهم للسخرية أمام بقية التلاميذ، يعتبر أمراً في غاية الخطورة يجب معالجته قبل أن يتحول إلى ظاهرة.
وشددوا على أن تكرار هذه الشكاوى يؤكد عدم وعى بعض المعلمين بالمعاملة التربوية والنفسية للطلاب، ويستدعي بحث أسباب تكرارها من خلال علماء علم النفس وتربويين قبل أن تصبح ظاهرة، مقترحين رفع مستوى المعلم من خلال الدورات التدريبية، ووجود لوائح بالمدرسة تجرم العنف سواء من الطالب أو المعلم، وإلزام المعلمين بإجراء اختبارات نفسية لضمان أهليتهم للتعامل مع الأطفال.
في المقابل أكد مسؤولون في مدارس خاصة، طلبوا عدم نشر أسمائهم، أن المعلم من المفترض أن يكون شخصاً محبوباً عند الطلبة يصغون إلى حديثه ويستجيبون له دون الشعور بالرهبة أو الخوف، مشيرين إلى أن بعض المعلمين لديهم اعتقاد خاطئ بأن إدارة الصف الدراسي لا تتم إلا بالشدة والصراخ حتى يهابهم الطلبة ويستطيعوا السيطرة عليهم.
وشددوا على وجود لوائح مدرسية تمنع الصراخ والشدة وتلزم المعلمين باحترام الطلبة والتعامل معهم باللين والاحترام، إلا أن وجود حالات فردية أو خروج المعلم عن سياسة ضبط النفس في أحد المواقف غالباً ما يتم التعامل معه بشكل هادئ، خصوصاً أنه في غالبية الأوقات يكون رد فعل لموقف حدث داخل الصف، كما أن بعض الطلبة يبالغون في وصف شدة المعلم معهم.
فيما أشار الاختصاصيون الاجتماعيون، حمده عبدالله، ومخلود إبراهيم، ويمنى العلي، ومحمد جوهر، إلى أن غالبية شكاوى ذوي الطلبة من المعلمين تتركز في الصراخ داخل الصف، وشعور أطفالهم بالخوف من المعلم، لافتين إلى أن المعلمين غالباً ما ينفون إتيانهم بهذه التصرفات والتدليل على صحة حديثهم بأن الشكوى فردية وأن الطالب المشتكي لديه فرط حساسية، أو مدلل بشكل أزيد من المطلوب.
وأكدوا أن صراخ المعلم على الطلبة يأتي بنتيجة عكسية، حيث يتظاهر الطلبة بالالتزام نتيجة خوفهم، إلا أن هذا الأمر يولد داخلهم كرهاً للمعلم والمدرسة، كما أنه من الممكن أن يتفاقم وينتج عنه شخصية مهتزة، أو كاذبة تخاف من قول الحقيقة، خصوصاً إذا كان المعلم أو المعلمة يفرق في التعامل بين الطلبة أو يوبخ ويستهزئ بطالب محدد في الصف.
في المقابل، أظهرت آخر إحصاءات صادرة عن دائرة التعليم والمعرفة، أن 10.2% من ذوي طلبة المدارس الخاصة في الإمارة أشاروا إلى أن أبناءهم تعرضوا لعنف من قبل المعلم، وأكدت الدائرة «في دليل سياسات المدارس الخاصة وإرشاداتها»، حظر اتخاذ أية إجراءات تأديبية تتضمن العقاب البدني أو النفسي أو الإساءات اللفظية أو أي عقاب يمكن أن يتسبب في إلحاق أذى بدني أو نفسي للطلبة (مثل السخرية من وجهة نظر الطالب)، مشيرة إلى ضرورة أن تكون المدرسة لديها سياسة تواصل مع الطلبة وأولياء أمورهم لسماع آرائهم من خلال مجموعة متنوعة من الوسائل، وتوفير فرص التعبير عن آرائهم مع ضمان خصوصيتها، وكذلك التوعية المستمرة لأولياء الأمور في ما يتعلق بحماية أبنائهم.
وشددت الدائرة على أن المدارس ملزمة بالقيام بتحقيق شامل في حوادث سوء المعاملة التي قد يتعرض لها الطلبة من استغلال أو عنف أو إيذاء جسدي أو أية إهانة لفظية أو تهديد معنوي، أو إيذاء من أي نوع، ويشار لها جميعاً بـ«إساءة معاملة الطلبة»، ورفع تقرير بذلك على الفور إلى الدائرة.
فصل المعلم
أكدت دائرة التعليم والمعرفة، أن المعلمين قادة في الفصول الدراسية، ويجب عليهم تعزيز الأخلاق الحميدة والقيم بشكل إيجابي، مشيرة إلى أن إدارات المدارس ملزمة بإيقاف أي موظف عن العمل فوراً في حال اتهامه بإساءة معاملة الطلبة إذا كان الاعتداء المنسوب للموظف ينطوي على جريمة وفقاً لأحكام القوانين السائدة في الدولة، مع ضرورة إبلاغ السلطات المختصة في هذه الحالة إلى أن ينتهي التحقيق في الأمر واتخاذ قرار بشأن أهلية الموظف لمواصلة العمل بالمدرسة، وإجراء تحقيق رسمي والحصول على بيانات مكتوبة من جميع الأطراف، ورفع تقرير مكتوب إلى قطاع المدارس الخاصة وضمان الجودة بالدائرة خلال 24 ساعة من وقوع الحادث عن طريق البريد الإلكتروني الرسمي، بالإضافة إلى إنهاء خدمة أي موظف فور ثبوت إدانته من السلطات المختصة بإساءة معاملة الطلبة.
10.2 %
من ذوي طلبة مدارس خاصة في أبوظبي شكوا تعرض أبنائهم لعنف من قبل المعلم.
ذوو طلبة: تكرار الشكاوى يؤكد عدم وعي معلمين بالمعاملة التربوية والنفسية للطلاب.
اختصاصيون اجتماعيون: صراخ المعلم على الطلبة يأتي بنتيجة عكسية ويولّد كرهاً للمدرسة.