ثائر هلال: الإمارات مقبلة على ثــــــــــورة فنية نوعية
ثائر هلال: جائزة بينالي الشارقة تحوّل مهمّ في تجربتي الاحترافية.
قال الفنان التشكيلي السوري ثائر هلال ان الامارات مقبلة على «ثورة فنية نوعية»، خصوصا بعد الاعلان عن مشروعات ثقافية كبرى فيها، مؤكدا أهمية الفنون الحديثة والمعاصرة في «اظهار الوجه الحضاري لعالمنا وثقافتنا»، إلا انه انتقد استثمارها لمصلحة ايديولوجية معينة في مواجهة الهويات الوطنية والقومية، مستعينة بالعولمة نهجا لها، ضد الخصوصيات الثقافية، مشيرا إلى «ظاهرة مدعي الابداع، من المشاركين في انشطة فنية وهم ليسوا فنانين، ولا صلة بالفنون الحديثة وأصولها، وإنما هم مدعو معرفة»، داعيا الى اختيار الخبراء وأصحاب التخصصات المعمقة من المثقفين، خصوصا في منطقة الخليج عموما، والامارات خصوصا المقبلة على «ثورة فنية نوعية قد لا يكون لها مثيل في المنطقة، بحكم طبيعتها الديموغرافية، وما يتم الاعداد على هذا الصعيد، والذي بدأنا بتلمس بعض معالمها من خلال عدد من المشاريع الحضارية التي يتوقع لبعضها ردود فعل عالمية ايجابية هائلة».
وقال هلال لـ«الإمارات اليوم» حول تجربته التشكيلية التي تبلورت في الامارات «تعكس طريقتي في العمل ثقافة المكان والبيئة التي تكونت ونشأت فيها، بتناقضاتها الاجتماعية والمعرفية المعقدة من جهة، والبساطة والجهل من جهة أخرى. وتبدو الصورة التي انتجها بهيئة مشوشة مهزوزة لدرجة ارتباطها بالذاكرة والواقع والاحلام المتوالية، وهي حادة وجارحة وفجة تتناسل عناصرها وتتناسخ كما الارواح، شفافة وهائمة في السديم والضوء».
وأضاف حول تجربته «أنا مستمتع في التعبير عن نفسي بهذه الطريقة التي اجدها بسيطة ومعقدة في الوقت نفسه، وبصفتي إنسانا وفنانا أعبر عن أفكاري بهذه الطريقة، وأراقب نفسي بشكل مستمر وأعتمد على وعي ذاتي لوضع اضافات مستمرة لتجربتي، وإغنائها بالمحفزات المعرفية التي تمنحها مزيدا من الحيوية المستمرة». موضحا انه كلما انتهى من عمل شعر بنهم شديد للمتابعة في عمل آخر، «وهكذا اجد نفسي في متوالية لا تنتهي، حيث تنفتح لي آفاق غنية لا حدود لإدراكها، فأجدها جديرة بالاكتشاف، وتعزز هذه الطريقة شخصيتي وحضوري في اللوحة».
الموروث البصري
وكشف التشكيلي السوري هلال عن ملامح اساسية في أسلوبه ومرجعياته «يمكنك اذا شئت ان تستكشف في الباطن والظاهر العلاقة التي تربط عملي بالثقافة المحلية والموروث البصري الشعبي والفن الإسلامي، وكيف انني استلهمت من الزخرفة والفنون البصرية التقليدية وكونت طاقتي التعبيرية الخاصة وأطلقتها بطريقة محدثة، مستفيدا في الجانب الآخر من انجازات الفنون الغربية بصراحتها الفجة ولغتها المباشرة الحادة المسحوب منها روح الحياة».
ولفت إلى أن هذا الأسلوب في العمل الفني «ذهب فيه آخرون وجربوا، إلا أنني دخلت في منطقة مختلفة ومكان مثير وأصيل وحديث، حمل متناقضات عصية، فيها شيء من الكلاسيكية الأكاديمية وكثير من الحداثة، حيث النتيجة عمل استفزازي فيه تحد للنفس ومغامرة ذاتية».
وأضاف «بطبيعة الحال الواقع يؤثر فيّ، وما يجري من أحداث ليس بالضرورة أن تتجسد بشكل مباشر، وكما تلاحظ فإن لوحتي غالبا ما تحمل مشهدا واسعا. فأنا ـ رساماً ـ انسحب بعيدا إلى الخلف وغالبا الى السماء، حيث اصور مشهدا شاملا من الاعلى، بعيدا عن التفاصيل الدقيقة التي افضل الايماء اليها بدلا عن التصريح، فلوحتي هي انعكاس لأفكاري التي تتكون بفعل التعاطي اليومي مع الاحداث، حيث تتجسد مشاعري وأحلامي وأحزاني وأفراحي، وتتمثل من خلال إشارات ورموز ولون وخط وفراغ وأسطح».
حضور عربي
وأكد هلال بروز الفنان العربي وحضوره عبر التاريخ ،ومجددا من خلال التفاعل والاستفادة من الحالة الفنية التشكيلية العالمية، «ففي العصور الوسطى دخل الغرب في ظلام وتخلف كبيرين، بينما كان الشرق العربي منارة للفكر، إلا أن الأمر انقلب وعشنا حالة من الردة، اذ توقفت علاقتنا بالعلوم والفنون عند نقطة معينة لم تتطور، بل كرست مفاهيم رجعية عن علاقتنا بالجمال ما زالت حاضرة في جوانب خطرة، خصوصا في المؤسسات التعليمية التي يجب الاشتغال عليها بشجاعة كبيرة لإزاحتها»، موضحا «على الرغم من ان تحولات كبيرة حصلت في القرن الماضي بعد انزياح الاحتلال العثماني عن البلاد العربية الذي كرس حالة التخلف تلك، ومن ثم الاستعمارين البريطاني والفرنسي، ظهرت المؤسسات التعليمية مجددا، حيث إن الخط البياني للفنون عاد للتصاعد، وظهر الفنان العربي مجددا في المحافل الدولية وبرز بقوة في مواقع معينة». وأشار إلى ان إنشاء معاهد وكليات لتدريس الفنون في مصر والعراق وسورية بشكل مبكر، «ترك الأثر الأكبر في تأسيس حالة فنية لافتة». تجارب
وعن تجربته في الإمارات، قال «حين حضرت إلى الإمارات، تعرفت الى الفنان الراحل عبداللطيف الصمودي، وكان من ابرز التشكيليين في المشهد التشكيلي العربي، وعرفني الى الفنان عبدالقادر الريّس ومن ثم الفنان حسن شريف، وانضم طلال معلا بتجربته المعروفة، وأنا بتجربتي الفتية الى الجمعية، وكانت مجموعات مندفعة ومحفزة لي حيث لكل اتجاهه». وأوضح انه كان متابعا جيدا لتجارب الفنانين في الامارات، ضمن اكثر من طيف وتحت مظلة جمعية الإمارات للفنون التشكيلية، «وإلى جانب حسن شريف الذي كان لافتا ومتميزا في تجربته، كانت هناك مجموعة من الشباب وكنت معجبا بحماستهم واندفاعهم وإنتاجهم، ولاشك الآن في الاثر العميق لتجربتهم الفنية الخاصة جدا. هكذا وجدت نفسي منخرطا في الأجواء، ما جعلني استقر وأنتج». وعن «بينالي» الشارقة، قال هلال «شاركت في الدورة الثالثة للبينالي عام 1997، وحصلت على جائزة التصوير، هذه الجائزة كانت تحولا مهما في تجربتي الاحترافية».
قلق العائلة وشغب الأطفال
ينتمي التشكيلي ثائر هلال إلى عائلة أحبّت ما يريده وساندته، على الرغم من أنها بعيدة عن الفن نسبيا «عائلتي أسهمت في تكويني فنانا وقدمت لي دعما كبيرا ومؤثرا ،وخصوصاً والدي، على الرغم من القلق الذي كان ينتابهم نتيجة توجهي المبكر الى الفنون الذي كان مصدرا لانزعاجهم، لكنهم اقتنعوا بما أحب وأرغب في ما بعد»، مستطردا «اما الآن فأجد احتجاجا من نوع مختلف عند أطفالي، اذ ينفعلون معي ويتملكهم الفضول والدهشة في المشاركة ولأسباب متضاربة عندهم، فكثيرا ما انفلتت الامور عن السيطرة وأفسدوا بعض الأعمال وأحدثوا تعديلات مجنونة لأعمال اخرى، فمرات اكون محط اعجابهم الشديد ومن ثم مادة للتسلية والتندر، حيث يؤمنون بأنهم يتمكنون من الرسم أفضل مني».
وأشار هلال إلى أهمية التيارات الفنية المعاصرة الذي انطلقت في أوروبا وأميركا، وقال «هذه التيارات موجودة بقوة، بمعنى أنها خلقت في وسط صحي وجاءت نتيجة طبيعية لتراكم كم هائل من التجارب، ونتيجة لتجمع خبرات فنية متعدده»، موضحا ان تلك الاوساط أفرزت بمعطياتها شكلا جديدا، «وهذا النوع من الفنون مؤثر وله سطوة ،ووجد صدى واسعا في اوساط المثقفين خصوصا، وتبلور وصار له منظرون، وهذه المذاهب الفنية مطروحة منذ عشرات السنين ولها مريدوها».
|
مانشيتات قد يهمك