«علي جناح التبريزي».. عدالة اللامكان
تقوم فكرة المسرحية التي أعدها الأديب محمد المر، عن مسرحية تحمل العنوان ذاته للراحل ألفريد فرج، وتصدى لها اخراجيا حسن رجب، على حكاية من التراث، تتسم بالبساطة والوضوح في المقولة، والسرعة ببسط العدالة، وتحقق أحلام البطل، الساكن في الأنا، المقهورة غالبا. حكاية التبريزي هي حكاية كل مُيسر كريم، يفقد ما لديه، فيتخلى عنه الجميع، ليذهب على غير هدى باحثا عن حياة أفضل في مكان آخر. غير أن التبريزي، وإن قام بالفعل عينه، لكنه لم يحمل معه الفشل، بل الحلم بالثراء، الذي يعبر من خلاله إلى تجار المملكة، بل وملكها، مفرغا خزائنه وخزائن التجار في أفواه الجوعى، ويتزوج ابنة الملك- كما تقول الحكاية. وإن كان بالاحتيال، حيث يروج وتابعه «قفة» قصة القافلة المحملة بالذهب والجواهر والتي يمتلكها سيده التبريزي. علي جناح التبريزي الفقير المعدم، المقتنع بأن زيتونة واحدة تنبت شجرة زيتون، لم يتردد في توظيف خياله، وبراعته في الكلام وبمعنى ما، ثقافته الايجابية، لتغيير واقع مرير، ليس واقعه فحسب، وإنما واقع مملكة آثر تجارها الربح، مستخدمين جميع الوسائل، غير المشروعة، وغير النبيلة للإثراء، في صورة بشعة لسيطرة رأس المال على مفاصل الحياة. إلا أن سبب اختيار التبريزي لمملكة وهمية لإحداث التغيير، يبقى غير مبرر، خصوصا أنه غادر مدينته بغداد، تلك التي تأبى أن تتغير، ربما. أو لأن السياق الفني أضعف من قدراته على الارتطام بالواقع، ففضل اختيار اللامكان ساحة لبسط العدل، على اعتبار أن المكان يمثل بساكنيه ذلك الثقل السلبي، والعصي على الإبهار أو الإضحاك. تبدأ المسرحية بمشهد يختصر الأسباب التي أدت إلى إفلاس التبريزي، على الرغم من نصائح مخدومه الذي يتحول إلى خدمة المالك الجديد، لبيت أو لقصر التبريزي، في إشارة لمَّاحة إلى أولئك الواقفين مع الواقف. غير أن المشهد لا ينتهي بتخلي المخدوم عن سيده بعد فقده مبرر العلاقة، حتى يحل قفة، أو ما يسميه التبريزي كافور، مكان المخدوم الاول، من دون أسباب واضحة أيضا، خصوصا بعد أن يتبين أن قفة، يمتلك ما يغنيه عن تلك المشقة التي اختار تكبدها. وتستمر المشاهد التي تفضي إلى تنفيذ الخدعة بسهولة، فتشيع فرح الانتصار في العيون. ربما لم يعمد الفريد فرج، المؤلف الذي استوحى هذه المسرحية من حكايات ألف ليلة وليلة، أو من برخت الذي استوحاها من تلك الحكايات، إلى الذهاب بشخصيات العمل إلى ساحة الإضحاك، خصوصا أن فرج كما هو معروف كتب هذا العمل بعد نكسة 1967، ربما لانتشال الشارع المصري والعربي، من تبعات تلك النكسة، مستمرة التداعيات. ولكن نص المر، قام أساسا على توظيف المفارقة المولدة بطبيعتها لحالة الدهشة المضحكة، ربما أراد بهذه المعالجة فتح طريق معبدة بالابتسامة، بين المسرح الإماراتي، وجمهوره قليل العدد نسبيا، وربما عمد المر إلى التأسيس لمرحلة جديدة في تعاطي المسرح المحلي مع القاسم المشترك الإنساني، ولكن بوجه وعباءة ولهجة محلية، من دون اللجوء إلى الموازي أو المحاذي. وكأنه أراد القول، توطين المسرح العالمي، أمر ليس بالسهولة، ولكنه ليس بمستحيل، خصوصا أن الحالة الإنسانية، ليست حكرا على زمان أو مكان، ولا على شعب بعينه. وإذا كان الزمن لا وجود له في العمل، فإن المسافة بين بغداد والقاهرة ودبي، اختصرت بحلم التبريزي، الذي ينتمي لبغداد أو تبريز ربما، أو لغيرها من المدن. ليقدم المر في معالجته لغة محاكاة، استطاعت العودة بالبالغين إلى مرحلة الطفولة، والاهم، مرحلة الحلم. ومن أسرار نجاح هذا العرض قدرة المخرج حسن رجب في رسمه كل شخصية من شخصيات العمل، لتكون مرآة لشخصية ما، علقت بالذاكرة، سواء من خلال الحوار، أو الحركة أو الإيماء، إلى جانب توظيف مقطوعات الفرقة الشعبية التي تحاكي العمل، وتفسح المجال لتغير الديكور، الذي بدا منسجما مع مشاهد العمل. حلم الجمهور |