رومية: «الإتكيت» ضرورة وليس رفاهية

رومية: «الإتكيت» ضرورة وليس رفاهية

قسم: مانشيتات اخبار العالم رومية: «الإتكيت» ضرورة وليس رفاهية » بواسطة adams - 18 نوفمبر 2024

تعليم الأطفال حسن السلوك استثمار ناجح يدوم مدى الحياة.تصوير: دينيس مالاري  
    
حسن التصرف والسلوك واجب تفرضه الإنسانية على المرء، ليكون مقبولاً في محيطه العائلي والاجتماعي، إذ تمنحه الثقة بالنفس والاحترام، وتجعله محبباً بين الناس، كما أنها تشعره بالراحة والطمأنينة النفسية، بدءاً من قواعد يتعلمها في صغره، وصولاً إلى القواعد التي يحتاج إليها عندما ينخرط فعلياً في المجتمع وعالم المال والاقتصاد.

حسن التصرف، اتيكيت الوافدين، اتيكيت رجال الأعمال، والفنون الجميلة، هي بعض الصفوف التي تعطيها مدرسة «فينيشنغ تاتش» في دبي، كونها مدرسة مختصة  في تعليم «الإنسان القدرة على الاستمتاع بإنسانيته وطيبته».   

 

بدأت نور خوري رومية مشوار الألف ميل بالخطوة الأولى، عندما واجهت ورفيقتها موفقاً مضحكاً وغريباً، خلال تلبيتهما عشاء خاصاً حول «الروابط بين الثقافة والغذاء»، وبدا منظر المدعويين مضحكاً وغريباً، لأن كل منهم كان يتصرف بطريقة مختلفة عن الآخر، وفقاً لعاداته وتقاليده الغذائية والثقافية. وتقول « قررت وصديقتي تأسيس مدرسة لتعليم أصول التصرف والاتيكيت»، معتبرةً الصورة المضحكة سبباً ودافعاً للانطلاق في مشروع يقدم فائدة للمجتمع، خصوصا أنه يلقن المرء كيفية التصرف بشكل صحيح ومقبول.

 

«الحاجة أم الاختراع» بهذه الكلمات وصفت رومية حاجة الناس لقواعد «الاتيكيت» وأصول التصرف، كونها تنظم العلاقات بين البشر، ليتمكنوا من التواصل بشكل إيجابي وناجح، وتقول « يؤمّن المرء بهذه الطريقة سعادته وراحته الشخصية، فضلاً عن تقبل الآخرين وتفهمهم».

 

بدأت الصديقتان بالتخطيط لإنشاء مدرسة «فينيشينغ تاتش» بالقيام ببحوث ودراسات، لتسافرا بعدها إلى الخارج بغية الاطلاع على أهم المدارس وأحدث المناهج، كما استقدمتا متخصصين في مختلف المجالات المتعلقة بالاتيكيت إلى دبي، ليعلموا مدربي المدرسة، وتشرح «تتميز مدرستنا بجمعها فروعاً عدة من أصول التصرف، عكس المدارس الغربية التي عادة ما تتخصص في فرع واحد، لتكون «فينيشنغ تاتش» متميزة من حيث النوع والكمية».

الخطوات الأولى
أصول التصرف عند الأطفال والمراهقين والشباب، هي الصفوف التي تلقى إقبالاً كبيراً في المدرسة المتخصصة، إذ تعلم الأطفال الذين تراوح أعمارهم بين الثامنة و الثالثة عشرة، ما يتناسب مع قدرتهم على الاستيعاب مثل إلقاء التحية،وكيفية تناول الطعام بشكل صحيح، واحترام الأكبر سناً، خصوصا أن العولمة والتطور التكنولوجي والاعتماد على الإنترنت والتلفزيون، جعلت الأطفال يتصرفون بطريقة لا مبالية، وتقول «تعلمنا في صغرنا أن نقف عند دخول شخص يكبرنا سناً، غير أن الجيل الجديد يبقى جالساً وغير عابئ بأحد». وتضيف «نعلمهم احترام الذات والثقة بالنفس، لتنعكس هذه العملية إيجاباً في علاقاتهم بالآخرين».

 

وعن تجربة شخصية، توضح رومية أنها كانت تنزعج لعدم وقوف التلامذة احتراماً عند دخول المدربة إلى الصف، غير أن تعلم الأصول الصحيحة يغير الإنسان، ويجعله أكثر مرونةً ولطفاً، وتضيف «لمسنا تغيراً كبيراً في تصرفات الأطفال»، إذ صاروا يلقون التحية ويمدون أيديهم للسلام ويقدرون على فتح حديث لائق، أو إفساح المجال كي تمر أمامهم.

 

أما بالنسبة إلى فئة المراهقين الذين تراوح أعمارهم بين 13 و18، فتقول رومية إن المراهق لا يهتم كثيراً لمظهره ونظافته الشخصية، لذلك يعلمونهم كيفية الظهور بشكل مرتب ومقبول، والاهتمام بأنفسهم، ليكونوا «على الموضة» وواثقين بأنفسهم، وقادرين على الانخراط تدريجياً في المجتمع الكبير، وتصفها بالخطوة الاجتماعية الأولى.

 

وعن دور المدرسة في حياة الطفل والمراهق، تؤكد المديرة أن دور الأهل والمدرسة متكاملان، غير أن الطفل لا يحب تنفيذ الأوامر أو التعليمات التي تفرض عليه، خصوصا أنه ينفذها مجبراً، إلا أن تحويل أصول التصرف إلى علم أو صف يعلم في مدرسة، يجعله مصراً على تحقيق النجاح، لأن طبيعة الإنسان تواقة إلى العلم والتميز، بغية تطوير المهارات والقدرات الشخصية.

 

وفي ما يخص الفئة الأخيرة، تضع «فينيشنغ تاتش» الشباب على الخطى الصحيحة قبيل دخولهم الجامعة، وتفسر رومية أنهم يعلمونهم كيفية تقديم موضوع أمام رفاقهم في الصف، أو إجراء مقابلة دخول إلى الجامعة،وكتابة السيرة الذاتية، والاتصال بغية أخذ موعد، ليتركوا الانطباع الجيد، خصوصا أنها خطوة مهمة لتحقيق أهدافهم وطموحاتهم المهنية والعملية. 

 

وفي سياق مشابه، توضح رومية أن هذه الصفوف يكمل بعضها بعضا، فالطفل ينتقل من فئة إلى أخرى عند بلوغه السن المناسبة « لأن الحفر يؤدي إلى نتيجة فعالة»، ما يجعل أهله فخورين به، لأن العادات الحسنة أمست متملكة فيه منذ صغره وحتى بلوغه سن الشيخوخة، ليحفر صورة جميلة في أذهان الناس، وتقول « يشعر الأبوان بالفخر والسعادة حينما يتصرف طفلهما بطريقة جيدة»، فلا يوسخ ملابسه خلال تناول الطعام على المائدة، و يحسن التصرف أمام الضيوف والغرباء.

 

إتيكيت الوافدين
ومن ضمن البرنامج، تقدم المدرسة المتخصصة والفريدة من نوعها في منطقة الخليج، صفاً خاصاً يسمى «اتيكيت الوافدين»، بحيث يعطونهم نبذة تاريخية عن المنطقة، ويعرفونهم على طبيعة البلاد جغرافياً واجتماعياً، وتشرح المديرة « نركز على إظهار العادات والتقاليد الاجتماعية القائمة بغالبيتها على الديانة الإسلامية». كما يعلمونهم طريقة التصرف والملبس بخاصة في شهر رمضان، ليتمكنوا من الانخراط بشكل فعال مع أهل البلد، بغية إلغاء «الصدمة الثقافية» الناشئة عن الاختلاف الكبير بين الحياة الغربية والشرقية.

 

ولأنها تعدّ من المناطق المميزة كونها تضم أكبر تجمع للجنسيات المختلفة، ومدينة «الحلم»، يواجه الوافدون إلى دبي مشكلات جمة عندما يكتشفون أنها ليست كما يتخيلونها، وتوضح رومية أنهم يقومون بمساعدتهم لتقبل الآخرين والتعايش معهم، غير أنهم لا يشجعونهم على التصرف كالمواطنين والعيش مثلهم. وتضيف «نؤكد لهم أن دبي ما زالت حلماً جميلا»، كما أنها تجمع عائلة عالمية واحدة، ذات خلطة متنوعة ورائعة. أما عن تقبل الأجانب لطبيعة البلاد وأهلها، فتشرح رومية أن الوافدين عادة ما يأتون إلى الدولة بذهنية منفتحة، بخاصة أن دبي مدينة «مودرن»، ما يسهل المهمة، ويقلل من فترة «عدم الشعور بالراحة والانسجام».

ومن المشكلات التي يواجهها الأجانب في دبي هي المواعيد حيث تفسر رومية أن عدم التزام العرب بالوقت يشكل مشكلة مزعجة وغير مقبولة، وتقول «نشرح لهم بأن التأخر عن الموعد لا يقصد بها الإهانة أو عدم الاحترام»، بل إن ظروفاً معينة أو طارئة تتسبب في تأخره، غير أنها تشير إلى أن جيل «المواطنين والعرب الجدد» بدأ يتأقلم مع العادات الأجنبية بسبب العولمة والاطلاع على ثقافة الغرب وعاداتهم.

 

ورغم وجود «اتيكيت عالمي» منتشر لحسن التصرف، تقول «تفرض المنطقة الجغرافية قواعد معينة، قد تتغير من مكان إلى آخر، وتشرح أن عادات السلام عند اللقاء تخضع للتعديل في المنطقة الإسلامية والخليجية»، وتضيف «إن درس «الاتيكيت» الاجتماعي مهم في مدرستها، خصوصا أنها اختبرت أهميته على الصعيد الشخصي قبل ثمانية أعوام حينما ذهبت إلى  إيران، في زيارة عمل». وتوضح «تعلمت منذ صغري أنه يفترض على المرأة مد يدها  إلى الرجل عندما يلتقيان، غير أني أصبت بالخجل، في حين ارتبك الرجل الإيراني الواقف أمامي، حين مددت يدي، لأن العادات والتقاليد الإيرانية تمنع السلام بين الرجل والمرأة، لذلك قامت بعدد من البحوث والدراسات عن «قواعد السلام»، لتتيقن أن العادات والتقاليد المحلية والإقليمية، تلعب دوراً في أصول التصرف. 

وفي السياق ذاته، توضح رومية أن «فينيشنغ تاتش» تتميز بكونها المدرسة الوحيدة التي تعلم اتيكيت الوافدين للجنسيات المختلفة في دبي، في حين أن المدارس المتخصصة في فرنسا وبريطانيا تعلم الوافدين «اتيكيت» محدودا ومقيدا، إذ إنها تخصص صفا منفصلا لليابانيين وآخر للصينيين، وهكذا دواليك، في حين أن المدرسة الواقعة في «قرية المعرفة» تجمع بين الوافدين، وتجعلهم عائلة واحدة كبيرة.

 

عالم المال
وبالانتقال إلى عالم المال والاقتصاد، خصصت «فينيشنغ تاتش» صف «اتيكيت رجال الأعمال» حيث يعلمون الراغبين في التعلم، كيفية التصرف بما هو موظف محترف وناجح، وتقول رومية «تضم الشركات في دبي موظفين من جنسيات مختلفة»، لذلك يعملون بالتوازي على الصعيد الداخلي والخارجي، وتضيف أنهم يخصون مؤسسات بنظام داخلي يحدد العلاقات بين الزملاء، والرؤساء مع مرؤوسيهم، والموظفين في ما بينهم، وعملية التواصل مع العملاء والشركاء من الخارج، لأن نجاح المؤسسة يعكس الجو المسيطر داخلها، بخاصة أن معظم الشركات أصبحت تتطلع نحو الرأسمالية الكبرى والعولمة، ذات الأهداف والأرباح الكبيرة.

وفي ظل طفرة العلم وارتفاع عدد حاملي الشهادات الجامعية، تعلم «فينيشنغ تاتش» طالب الوظيفة القدرة على التميز، وإبراز شخصيته موظفا مستقبليا ناجحا ومميزا، لينال الوظيفة المرغوبة، وتقول «ينال الإنسان فرصته عندما تكون علامة حسن التصرف والشخصية القوية مرتفعة»، على زميله الذي يتمتع بالمواصفات العلمية نفسها، بخاصة أن تميزه سينعكس بشكل إيجابي على أرباح الشركة وأرقامها المرتفعة.

وتشير رومية إلى أن رؤوساء كبارا في شركات مهمة يتعلمون في صفوف مدرستها، لأنهم يدركون أهمية تعلم الأصول في عالم المال. وتشدد على أنها متشابهة في كل البلدان والأماكن، ولا تخضع للتغيير مثل «اتيكيت الوافدين» أو «اتيكيت السلوك وحسن التصرف». 

 

صفوف جديدة
طرحت المدرسة قسماً جديداً في منهاجها، تحت اسم «art de vie» إذ يقدمون فرصة أمام الفنانين والرسامين لعرض أعمالهم في المدرسة، لمدة معينة، وتقول «يطلعنا كل فنان على سيرته الذاتية، ويشرح موضوع أعماله ورسومه، وعادة ما يقومون بهذا النشاط كل شهرين، وتضيف أنهم يخططون لفتح معرض فني دائم. وتوضح روميه أنهم في طريقهم لافتتاح صف جديد يعلم الأطفال كيفية استخدام علم الحسابات في حياتهم، من دون أن يكون عملاً صعباً أو مقلقاً، بل أشبه باللعب، وتقول « يهدف نادي الرياضيات إلى تحفيز الأطفال على صقل القدرات الذهنية والعلمية»، كما يرغبون في إنشاء صف «البروتوكول» الذي يدرس للأشخاص الرسميين الذين يمثلون بلدانهم في الخارج مثل الدبلوماسيين.

وعن قدرة «الاتيكيت» وأصول حسن التصرف على تحسين حياة المرء، تؤكد رومية أن المرء يستطيع التصرف بلياقة،  من دون تعلم قواعدها في مدارس متخصصة، غير أن العلم والمعرفة يمنحانه القدرة على التميز و«الإشعاع وسط زحمة الناس». وتقول «تستطيع المرأة ترتيب مائدتها وتزيننها بطريقة عفوية، غير أن اتباع الأصول الصحيحة يمكنها من التميز والبروز بشكل كبير أمام عائلتها وضيوفها»، إذ تجعلهم يشعرون بأنهم مميزون ويستحقون الجهد والعناء، ما يعزز العلاقات الإنسانية ويقويها، مشيرةً إلى أن التميز يكسر الروتين والملل المتراكم جراء الأعمال أو النشاطات اليومية المتشابهة. وتشدد مديرة المدرسة على أن ارتياد المدارس التي تعلم أصول حسن التصرف، لم تعد محصورة بالأغنياء أو المقتدرين مادياً، كما كانت معروفة في الماضي، بل صارت أسعارها في متناول الجميع، لأن الموضوع صار ضرورة ولم يعد رفاهية.

 

شرطي سير
وعلى الصعيد الشخصي، تقول روميه إن «فينيشنغ تاتش» غيَر حياتها، لأنها أمست تعرف الصحيح من الخطأ، وتقدم الفرصة للراغبين في تعلمها، خصوصا أنها اختلطت مع عدد كبير من الناس من أشخاص عاديين إلى دبلوماسيين ورؤساء. 

وتضيف «أثبتت الدراسات والأبحاث الجديدة التي أجريتها قناعاتي الشخصية حول أهمية هذه القواعد والأصول»، ما جعلها أكثر تصميماً لفتح المدرسة في البداية، وتوسيعها لاحقاً، لتلبي أكبر عدد من الصفوف.

 

من ناحية أخرى، لا تتدخل رومية أو تعطي رأيها عندما تشاهد أو تلاحظ تصرفاً خاطئاً، وتقول «لست شرطية سير، أصفر عندما أشاهد تصرفاً خطأً، لأن عملها لا يعني جرح الناس أو التقليل من احترامهم أو كرامتهم. وتقول « لا أتدخل، إلا إذا طلب مني»، فضلاً عن أنها تعذر الناس الذين يرتكبون الأخطاء، ماداموا لا يعرفون التصرف الصحيح من الخطأ، خصوصا أن الإنسان يحب التطور إلى الأمام، وليس العكس، في مواجهة الرأسمالية المتوحشة التي اجتاحت العالم.       

 
نور خوري رومية
 

سؤال وجواب  
يعد التواصل عبر «الإنترنت» نوعاً من الاتصال بين البشر، وقد نشط بكثرة بعد التطور التكنولوجي الكبير، وتعدّ الرسائل الإلكترونية أسهل أساليب التواصل، غير أنها تحمل في طياتها الكثير من الأخطاء والمشكلات.

وكغيرها من وسائل الاتصال، تخضع هذه الرسائل لقواعد أسوة بأي طريقة مراسلة أخرى، على الرغم من أنها ليس وسيلة رسمية.

 

وتوضح رومية أن الرسالة الالكترونية ليست ورقة رسمية أو اتصالا هاتفيا، لكنها تستحق الجواب والرد، سلباً أو إيجاباً، كونها تهون على المرء الرد، بخاصة إذا كان سلبياً، ويتوجب إرسال الرد بعد 48 ساعة فقط، والاعتذار عن عدم التأخر في حال لم يتمكن المرسل إليه الإجابة لأسباب خارجة عن إرادته. وتصف رومية الامتناع عن الرد بـ «قلة الأدب والاحترام»، ما يظهر استهتاراً كبيراً، وعدم القدرة على المواجهة، ما يعكس ضعفاً في الشخصية.

مانشيتات قد يهمك