10 ملايين درهم تعــــويضات لضحايا أخطاء طبية في 20 قضــــية
رصدت «الإمارات اليوم» قضايا الأخطاء الطبية داخل المستشفيات والمراكز العلاجية، التي تداولتها محاكم الدولة خلال عامي 2013 و2014 بنحو 20 قضية على الأقل، بلغ قيمة التعويضات والديات فيها أكثر من 10 ملايين درهم.
وحسب ما رصدته الصحيفة، فقد تسببت الأخطاء الطبية في وفاة أشخاص من فئات عمرية مختلفة، وإصابة آخرين بعاهات دائمة، أعجزتهم عن كسب العيش وممارسة حياتهم الطبيعية، فضلاً عن الأضرار الأدبية والنفسية التي لحقت بذويهم نتيجة لذلك.
وأقام ضحايا الأخطاء الطبية دعاوى جزائية ومدنية، ضد أطباء ومستشفيات ومراكز طبية مختلفة، وصدرت أحكام عدة بالإدانة مع عقوبات بالحبس والغرامة المالية بحق المتسببين.
لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط. القوانين كفلت الحماية للمريض في مواجهة أخطاء الطبيب أو المنشأة العلاجية متى يكون الطبيب مسؤولاً عن «الخطأ الطبي»؟ أكد المستشار القانوني عماد الدين سعيد عثمان، أن من المستقر عليه فقهاً وقضاء، أنه يقع على الطبيب التزام تجاه مريضه، وهذا الالتزام وإن كان، من حيث المبدأ، التزاماً ببذل عناية وليس بتحقيق غاية أو نتيجة معينة إلا أنه يستوجب بذل الطبيب جهوداً صادقة ويقظة تتفق والأصول العلمية الثابتة، بهدف شفاء المريض وتحسين حالته الصحية، معتبراً أنه يعد التزاماً ببذل عناية، إلا أن العناية المطلوبة من الطبيب تقتضي أن يبذل لمريضه جهوداً صادقة ويقظة تتفق مع الأصول المستقرة والمتعارف عليها في علم الطب. وأضاف إن الطبيب يُسأل – جزائياً ومدنياً – عن كل تقصير أو انحراف في مسلكه الطبي لا يفترض أن يقع من طبيب يقظ في مثل مستواه المهني وجد في الظروف الخارجية نفسها التي أحاطت بالطبيب المسؤول، كما يُسأل عن خطئه العادي أياً كانت درجة جسامته. وأوضح عثمان أن معيار الخطأ هنا معيار موضوعي عام، يقاس الفعل فيه على أساس سلوك معين مفترض، لا يختلف من حالة لأخرى، ويؤاخذ الطبيب عما يقع منه من إهمال أو عدم اتخاذ الاحتياطات التي يمليها الحذر العادي، أياً كان نوعها، أو الجهل بالقواعد التي يجمع عليها الأطباء، إضافة لمسؤوليته التأديبية وفق قانون تنظيم مهنة الطب. واعتبر أن القوانين المعمول بها قد كفلت الحماية الواجبة للمريض في مواجهة ما قد يقع من جانب الطبيب أو المنشأة العلاجية من أخطاء طبية في علاج المريض، مشيراً إلى أن النصوص الواردة في القوانين المختلفة سواء المعاملات المدنية الذي نظمت نصوصه الحقوق المدنية للمضرور من الأخطاء الطبية، وكذا نصوص القانون الاتحادي بشأن مزاولة مهنة الطب البشري رقم (7) لسنة 1975 والذي نصت المادة (26) منه على أنه يكون الطبيب مسؤولاً في أي من الحالات التالية: 1- إذا ارتكب خطأ ترتب عليه الإضرار بالمريض وكان هذا الخطأ راجعاً إلى جهله بأمور فنية يفترض في كل طبيب الإلمام بها سواء من حيث تشخيص المرض أو وصف العلاج المناسب. 2-إذا ارتكب خطأ ترتب عليه الإضرار بالمريض وكان هذا الخطأ راجعاً إلى إهماله أو امتناعه عن بذل العناية اللازمة. 3- إذا أجرى على المريض أبحاثاً أو تجارب علمية غير معتمدة فنياً وترتب على ذلك الإضرار به. كما نصت المادة رقم (30) من القانون المشار إليه بشأن مزاولة مهنة الطب البشري على العقوبات التأديبية التي يجوز توقيعها على الطبيب المخالف وهي: توجيه النظر، الإنذار، الإيقاف عن العمل لمدة لا تجاوز سنة واحدة، سحب الترخيص وشطب الاسم من سجل الأطباء، فضلاً عن القواعد العامة الأخرى الواردة في قانون العقوبات والتي من الممكن أن يقع تحت طائلتها الطبيب إذا ثبت أن ما وقع منه من خطأ كان عن إهمال أو تقصير. وأشار عثمان إلى أنه رغم انتشار الأخطاء الطبية، فإنه لا يمكن وصفها بالظاهرة في المجتمع، سيما أن الدولة تهتم بفرض نصوص القوانين التي تعمل على مكافحة مثل هذه الأخطاء بما يكفل عدم انتشارها بالقدر الذي يمكن اعتبارها ظاهرة. وحول آلية تحديد المسؤولية عن الأخطاء الطبية، أوضح أن مسؤولية الطبيب القانونية عن الأخطاء الطبية محدد نطاقها وفقاً لنصوص قانون العقوبات، وذلك في حالة ارتكابه لخطأ يوقعه تحت طائلة المساءلة الجزائية، أو إذا قام بارتكاب خطأ يوقعه تحت طائل التجريم العقابي مثل أن يقوم بإجراء جراحة تخرج عن أخلاقيات ممارسة مهنة الطب وتجرمها القوانين السارية، كأن يقوم مثلاً بإجراء عملية إجهاض لحامل في غير الحالات المصرح بها قانوناً، كإنقاذ امرأة حامل مثلاً يعد استمرار الحمل خطراً على حياتها الصحية، ففي مثل تلك الحالة يؤاخذ الطبيب جزائياً على ذلك الفعل من جانبه، فضلاً عن إمكانية مساءلته تأديبياً. وأشار عثمان على سبيل المثال، فقد نصت الفقرتين الثانية والثالثة من المادة (340) من قانون العقوبات على أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين أو بالغرامة التي لا تقل عن 10 آلاف درهم من أجهض امرأة حبلى عمداً برضاها بأية وسيلة كانت، وإذا كان من أجهضها طبيباً أو جراحاً أو صيدلانياً أو قابلة أو أحد الفنيين كانت العقوبة السجن مدة لا تزيد على خمس سنوات. كما نصت المادة (342) من القانون ذاته على أن يعاقب بالحبس وبالغرامة أو بإحدى العقوبتين من تسبب بخطئه في موت شخص، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة والغرامة إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجاني بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته. كما نصت المادة (343) من القانون ذاته على أن يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبالغرامة التي لا تجاوز 10 آلاف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين من تسبب بخطئه في المساس بسلامة جسم غيره، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنتين والغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا نشأ عن الجريمة عاهة مستديمة أو إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجاني بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو حرفته. القوانين المعمول بها قد كفلت الحماية الواجبة للمريض في مواجهة ما قد يقع من جانب الطبيب أو المنشأة العلاجية من أخطاء طبية. غيتي |
وأكدت المحكمة الاتحادية العليا في حيثيات أحكامها في قضايا الأخطاء الطبية، على مبادئ قانونية عدة، أهمها أنه «يتعين مساءلة الطبيب عن خطئه، لأن إباحة عمل الطبيب مشروطة بأن يكون ما يجريه مطابقاً للأصول العلمية المقررة، فإذا فرّط فيها أو خالفها حقت عليه المسؤولية الجنائية، بحسب تعمده الفعل أو تقصيره أو عدم تحرزه في أداء عمله».
وأكدت أن «التزام الطبيب بأداء عمله ليس التزاماً بتحقيق نتيجة، بل ببذل عناية تقتضي منه أن يبذل لمصلحة مريضه جهوداً صادقة يقظة، تتفق مع الأصول المستقرة في عالم الطب، كما أن تعدد الأخطاء الموجبة لوقوع الحادث يوجب مساءلة كل من أسهم فيه، أياً كان قدر الخطأ المنسوب إليه، سواء كان السبب مباشراً أو غير مباشر، مع توافر رابطة السببية بين الخطأ والضرر من المسائل الموضوعية التي يفصل فيها قاضي الموضوع بغير معقّب».
تعويض الضحايا
أصدرت المحكمة الاتحادية العليا مجموعة من الأحكام في قضايا الأخطاء الطبية منها، تأييدها حكماً قضى بإلزام ممرضة ومستشفى ووزارة الصحة بدفع دية شرعية، وتعويض بقيمة 547 ألف درهم لوالدي طفلة تعرضت لخطأ طبي أدى إلى بتر يدها اليسرى.
وفي دعوى ثانية قضت المحكمة الاتحادية العليا بإلزام طبيب ومستشفى بدفع تعويض قدره 250 ألف درهم، بالإضافة إلى فائدة 5% من تاريخ الحكم.
وفي ثالثة أيدت حكماً بتغريم خمسة أطباء تسببوا في استئصال رحم مريضة، مبلغ 5000 درهم لكل منهم، وإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المختصة.
وفي قضية رابعة، ألزمت محكمة مدنية طبيباً ومستشفى بدفع تعويض قدره سبعة ملايين درهم لأسرة طفل يبلغ من العمر 12 عاماً، أصيب بالشلل الكلي نتيجة خطأ طبي، قام به طبيب التخدير، تمثل في تقدير كمية المخدر التي يستوجب إعطاؤها للطفل، إذ أصيب بإصابات جسيمة في المخ، نتج عنها عجز في جميع حواسه وأعضائه وفي قدراته العقلية والذهنية والقدرة على البصر والسمع والتذوق والكلام والشم والحركة.
وفي قضية خامسة، قضت محكمة مدنية بإلزام طبيب بـ100 ألف درهم لتعويض طفلة أجرى لها جراحة زرع قوقعة سمعية ونسي زرع جهاز قوقعة سمعية بأذنها اليمنى، ما ترتب عليه التأخر في علاجها من مشكلاتها السمعية وما يتصل بها من مشكلات النطق والتحصيل الدراسي والنمو الإدراكي، إضافة إلى الجسدية والنفسية التي عانت منها الطفلة، وما عاناه والداها من ألم نفسي وحسرة.
أشهر قضايا الإهمال الطبي
انفردت «الإمارات اليوم» في 2008 بنشر حيثيات حكم واحدة من أخطر قضايا الإهمال الطبي، حيث انتصرت فيه المحكمة الاتحادية العليا لدعوى أب توفي اثنان من أبنائه وأصيب آخران بالإيدز في أحد المستشفيات.
وقضت المحكمة في حكمها بتعويض الأب بمليونين و400 ألف درهم ودية الخطأ الطبي، وشمل الحكم التعويض عن العجز ومصاريف العلاج، إضافة إلى الأضرار الأدبية.
قانون المسؤولية الطبية
يعرّف القانون رقم 10 لعام 2008 بشأن المسؤولية الطبية، الخطأ الطبي بأنه الخطأ الذي يرجع إلى الجهل بأمور فنية يفترض في كل من يمارس المهنة الإلمام بها، أو كان هذا الخطأ راجعاً إلى الإهمال، أو عدم بذل العناية اللازمة.
ولا تقوم المسؤولية الطبية في الحالات الآتية:
■ إذا كان الضرر قد وقع بسبب فعل المريض نفسه أو رفضه للعلاج أو عدم اتباعه التعليمات الطبية الصادرة إليه من المسؤولين عن علاجه، أو كان نتيجة لسبب خارجي.
■ إذا اتبع الطبيب أسلوباً طبياً معيناً في العلاج مخالفاً لغيره في الاختصاص ما دام أسلوب العلاج الذي اتبعه متفقاً مع الأصول الطبية المتعارف عليها.
– إذا حدثت الآثار والمضاعفات الطبية المعروفة في مجال الممارسة الطبية وغير عن الخطأ الطبي.
ويجب على الطبيب مراعاة ما يأتي:
■ الالتزام بالقواعد والنظم والإجراءات الخاصة بممارسة المهنة تبعاً لدرجته ومجال تخصصه.
■ تسجيل الحالة الصحية للمريض والسيرة المرضية الشخصية والعائلية الخاصة به قبل الشروع في التشخيص أو العلاج.
■ وصف العلاج وتحديد كمياته وطريقة استعماله كتابة مع بيان الاسم والتوقيع والتاريخ، وتنبيه المريض إلى التقيد بالأسلوب الذي حدده للعلاج والى الآثار الجانبية المتوقعة لذلك العلاج الطبي أو الجراحي.
■ إبلاغ المريض بطبيعة مرضه ودرجة خطورته إلا إذا اقتضت مصلحته غير ذلك، أو لم تكن حالته النفسية تسمح بإبلاغه، ويتعين إبلاغ ذوي المريض في الحالتين الآتيتين:
أ- إذا كان عديم الأهلية أو ناقصها.
ب- إذا كانت حالته الصحية لا تسمح بإبلاغه شخصياً وتعذر الحصول على موافقته لإبلاغ ذويه.
– رصد المضاعفات الناجمة عن العلاج الطبي أو الجراحي والمبادرة إلى علاجها متى أمكن ذلك.
تعويض الأضرار
لفت المستشار القانوني عماد الدين سعيد عثمان، إلى أن قانون المعاملات المدنية وفر للمضرور ضمانات أخرى سواء بإمكانية رجوعه على الطبيب المتسبب بالضرر بالطريق المدني ومطالبته بالتعويضات اللازمة، أو بإمكانية رجوعه على المستشفى أو المنشأة الطبية التي يعمل بها الطبيب المتسبب، وذلك وفق ما يعرف قانوناً بمسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه، وباعتبار أن الطبيب يتبع الجهة الطبية التي يعمل بها.
وأشار إلى أن المادة (282) من قانون المعاملات المدنية نصت على أن «كل إضرار بالغير يلزم فاعله ولو غير مميز بضمان الضرر»، والأصل في المساءلة المدنية هو وجوب تعويض كل من لحقه ضرر، ويستوي في ذلك الضرر المادي والضرر الأدبي، وسواء ترتب على الضرر الموت أو اقتصر الأمر على مجرد الاصابة، كما أن التعويض في المسؤولية التقصيرية يشمل كل ضرر مباشر متوقعاً كان أو غير متوقع، حيث قررت المادة (292) من قانون المعاملات المدنية أنه «يقدر الضمان في جميع الأحوال بقدر ما لحق المضرور من ضرر وما فاته من كسب بشرط أن يكون ذلك نتيجة طبيعة الفعل الضار.. ويلزم التعويض عن الايذاء الذي يقع على النفس».