محمد بن زايد: المياه أهم من النفط بالنسبة للإمارات
أكد الفريق أول سمو الشيخ، محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، أن المياه تشكل أهمية كبرى تفوق أهمية النفط بالنسبة للإمارات، مشيراً سموه إلى أن المنطقة تواجه في الحقيقة مشكلة جدية ونحن منشغلون بها نظراً لأنها في غاية الأهمية.
وقال خلال مداخلة، لسموه عقب محاضرة بمجلسه، حول المياه العذبة في العالم “أعتقد أن ذلك يعود إلى أن السكان في شبه الجزيرة العربية في تزايد مستمر وليس للمنطقة اليوم الكثير من الموارد”، مشيراً إلى أنه يمكن حالياً الحصول على الماء من خلال التحلية، ولكن بعد عقود سيختلف الوضع عما هو عليه الآن، فلا توجد في المنطقة أنهار ولا توجد لدينا تقنية تساعدنا على تلبية احتياجات المنطقة من المياه العذبة لمواجهة الوضع، لذا يتوجب علينا تركيز الجهود على اجراء الدراسات والبحوث ووضع الخطط والاستراتيجيات والحلول الملائمة والتي من شأنها ايجاد السبل الكفيلة بتلبية احتياجات المستقبل وحفظ الموارد الطبيعية وصونها لأجيالنا القادمة.
وكان المحاضر الدكتور بيتر غليك الذي ألقى محاضرة في مجلس محمد بن زايد حول المياه العذبة عنوانها “المياه العذبة في العالم: السعي نحو مستقبل مستدام”، أشاد فيها بما تقوم به دولة الإمارات في مجال الموارد الطبيعية والمياه والطاقة كما هنأ الحضور باليوم الوطني الأربعين، الذي احتفلت به الدولة في الأيام الماضية.
وقال إنه زار “مصدر”، الذي وصفها بأنه مثال رائع للتفكير المتكامل على المستوى الأكاديمي والصناعي والمؤسساتي، مشيراً إلى أن استخدام التقنية الذكية للمياه دليل أفضل على الجهد التعليمي المتطور للتفكير في طرق حديثة ومصادر حديثة مقارنة بالمصادر التقليدية ما شكل بالنسبة له مصدر سرور كبير.
ثم قام المحاضر وهو مؤسس مشارك ورئيس معهد المحيط الهادئ وخبير عالمي في مجال الميا، ومحاضر رئيسي في مؤتمر نوبل، بتقديم بعض الشرائح ووسائل الايضاح حول قضايا المياه التي تمثل إحدى المصادر النادرة، مشيراً إلى أن البشرية تعيش في كوكب محاط بالمياه المالحة.
وأكد أن المياه العذبة قليلة جداً في العالم وأنها مرتبطة بكل شيء تحتاجه البشرية كما تحتاج للكثير من الطاقة وخاصة لتحريك المياه والكهرباء أيضاً مضيفاً أن أزمة المياه تظهر بأشكال وأماكن مختلفة.
وقال إنه على الرغم من الجهود الهائلة والأموال الطائلة لبناء مشاريع البنى التحتية لم نتمكن من حل مشكلة المياه وحصصها وتلوثها والصراعات السياسية والعسكرية وتغير المناخ وكذلك حل مشكلة إدارة المياه وفشل المؤسسات في إدارة هذه الموارد النادرة.
وأشار إلى أن كل ما حولنا من المياه مالح أما المياه العذبة فهي قليلة جداً، فـ 3% فقط من المياه العذبة في العالم، هي على شكل مناطق جليدية في القطب الشمالي بينما هناك نصف % من مصادر المياه العذبة توجد في الأنهار والبحيرات والأراضي الرطبة، وهي موزعة توزيعاً سيئاً على مختلف أنحاء العالم.
واعتبر أن المشكلة الكبرى الأولى في العالم، هي الفشل في تلبية الاحتياجات الرئيسة من المياه والقضايا الصحية، مشيراً إلى أن مليار نسمة لا يستطيعون الحصول على المياه العذبة كما أن ملايين البشر لا يستطيعون الحصول على الخدمات الصحية بسبب الفقر في المياه.
وأضاف أن ندرة المياه تتزايد حتى في المناطق التي نعتقد أنها مليئة بالمياه، إضافة إلى ذلك قضايا التلوث كما أدى الفشل في تلبية الاحتياجات الأساسية إلى كثير من الأمراض وهناك حوالى مليوني وفاة بسبب أمراض مرتبطة بالمياه، هي تتزايد كثيراً بسبب فشلنا في توفير المياه الآمنة والصحية لسكان العالم.
وأكد أن المياه قضية سياسية وليست علمية أو فنية فقط، إذ توجد صراعات سياسية بأشكال متعددة على الري منذ القدم وفي بلاد مابين النهرين كما أن المخاطر المرتبطة بهذه الصراعات في تزايد مستمر وكذلك الأمر بالنسبة لزيادة السكان والتلوث.
وقال المحاضر إن المعهد الذي يعمل فيه يتابع هذه النزاعات والأطراف المتنازعة، مشيراً على سبيل المثال إلى نهر الأردن والدول التي تقع على شواطئه، وقال إن الماء يمكن أن يكون مصدراً للتعاون وليس للصراع.
وأضاف أن المعهد يرقب مدى صعوبة المجتمع الدولي في معالجة التغيرات المناخية على المستوى السياسي، ولكن من الزاوية العلمية لابد من معالجة الأمر وإلا سوف تسوء الحالة مستقبلاً، مشيراً إلى ذروة صعوبة الحصول على النفط وذروة صعوبة الحصول على الماء حيث لم ينفذ لدينا الماء بعد ولكن زيادة الاستهلاك مستمرة وخاصة من الأنهار وحين نصل إلى الذروة لابد أن تؤثر على هذه المصادر المتجددة حيث أن 40 %، تقريباً من الإنتاج الزراعي يتم عن طريق المياه الجوفية المعرضة للنضوب حيث أنها تعتبر من المصادر غير المتجددة بسبب أن هذه المياه التي تجمعت في جوف الأرض منذ سنين قمنا بضخها بشكل كبير دون وجود ما يعوض هذا الضخ.
واقترح المحاضر من أجل الاستخدام المستدام للموارد الطبيعية، أن يتم أولا إعادة النظر في البنية التحتية للمياه وبناء سدود ومنظومات ري كبيرة والتفكير في الإدارة الذكية للمياه السطحية رغم أنها مكلفة وعليه لابد من اكتشاف طرق جديدة.
وأضاف أنه لابد من إعادة النظر في إدارة المياه والتفكير بشكل جديد، وإنشاء مؤسسات تدير هذه المياه بشكل أفضل، بحيث تكون النتيجة إدارة فاعلة للمياه كما أنه لابد من زيادة البنى التحتية وتعزيز الحلول التقليدية كبناء السدود الكبيرة إلى جانب استخدام الوسائل الحديثة في نقل المياه من مكان إلى آخر وجمع المياه المستهلكة واستخدامها في الزراعة.
وأشار إلى عدد من الدول في شرق آسيا حيث استطاعت هذه الدول الاستفادة من المياه المستهلكة للطاقة أو حتى من أجل الشرب والزراعة، وقال إن صناعة طن واحد من الفولاذ تتم حالياً من مائتي طن من الماء، بينما أحدث الوسائل تستخدم 3 إلى 4 أطنان من المياه لتنتج طن واحد من الفولاذ أي بانخفاض 98 % من استهلاك الماء.
كما أشار إلى أننا نحتاج إلى 30 غالون ماء لصناعة اشباه الموصلات مقارنة بما يحدث هنا في أبوظبي “ثلاثة أو خمسة جالونات فقط”، وهو ما يحسب للإمارة، مضيفاً أن ولاية كاليفورنيا بها الكثير من المياه، ولكنها تستخدم التنقيط والغسالات الكفؤة التي تحافظ على الماء، مؤكداً وجود العديد من الوسائل لخفض استهلاك المياه وترشيدها مثل تقليل استهلاك اللحوم.
واوضح أن مشكلة المياه حقيقية ولها مضامين انسانية بيئية اقتصادية ونزاعات سياسية وهناك حاجة إلى طرق وتقنيات جديدة والتزامات جديدة واجراءات وشراكات لمعالجة مشكلة المياه.
كما أكد في ختام محاضرته أن مثل هذه الحلول يمكن أن تضعنا على المسار الصحيح، حيث يمكن أن نفكر بإدارة فعالة ومستدامة للموارد المائية، وصولاً إلى حلول سياسية للنزاعات المائية.
وبعد ذلك رد على الأسئلة الموجهة له من الحضور، والتي تناولت العلاقة بين ذروة المياه وذروة البترول وتسعيرة المياه واستدامة ذلك، مشيراً إلى أن التسعيرة يجب أن تكون مناسبة ولا ترهق ذوي الدخل المحدود، خاصة في هذه المنطقة التي تعتمد على التحلية وليس فيها الكثير من المياه العذبة التي تعتبر سلعة اقتصادية مهمة وحقاً من حقوق الانسان.
كما أشار إلى تجربة أمريكا في ترشيد المياه بعدة طرق مثل التنقيط وتغيير العمليات الصناعية والتقنية والعمليات الاقتصادية دون زيادة الطلب على المياه أي علاقة للمياه المحلاة بالمشكلات الصحية، مضيفاً أن مياه التحلية من أنقى المياه على الكرة الأرضية وهي آمنة جداً وتحتاج فقط إلى الطاقة بكميات كبيرة والتخلص من الأملاح ورغم أنها مكلفة وفعالة ولكنها غير خطيرة.
وحول نقل المياه من مكان إلى مكان آخر، أكد أن هذه المسألة هي قضية عالمية ومحلية لأنها مصدر عالمي، فمثلاً عملية النقل من كندا إلى هنا مكلفة، وقال إن من الأرخص بالنسبة للمنطقة بناء المحطات.
وبالنسبة للجوانب الاقليمية والعالمية المرتبطة بالماء مقارنة بالنفط، أكد المحاضر أن هناك فروقات وتشابهات بينهما فهما يوزعان توزيعاً سيئاً في العالم، حيث أن هناك بدائل للنفط ولكن لا يوجد هناك بديل عن الماء فهو أكثر ندرة وأهمية حتى من النفط.
وحضر المحاضرة سمو الشيخ، محمد بن سعود بن صقر القاسمي، ولي عهد رأس الخيمة، وسمو الشيخ، حمدان بن زايد آل نهيان، ممثل الحاكم في المنطقة الغربية، ورئيس المجلس الوطني الاتحادي، محمد أحمد المر، وسمو الشيخ، طحنون بن محمد آل نهيان، ممثل الحاكم في المنطقة الشرقية.
كما شهدها الفريق سمو الشيخ، سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية، وسمو الشيخ، حامد بن زايد آل نهيان، رئيس ديوان ولي عهد أبوظبي، والشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، والشيخ حمدان بن مبارك آل نهيان، وزير الأشغال العامة، وعدد من الشيوخ والوزراء وأعضاء المجلس الوطني الاتحادي والسفراء والفعاليات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية المختلفة.