«هيبــة الطـالب».. تهـدّد مكانـة المعلم
أكد معلمون ومعلمات أن احترام المعلم فضيلة مفقودة لدى معظم الطلاب، عازين ذلك إلى ضعف العقوبات، وتغير نظرة المجتمع لمهنة المعلم، وتهاون الأهل، وتدليلهم لأبنائهم، واعتبار رضا الطالب عن المعلم البرهان الوحيد على جدارته.
وقالوا إن تجريد المعلم من صلاحيات تأديب الطلاب، ساعد على ضياع هيبته وضعف شخصيته داخل الصفّ الدراسيّ.
وأشار معلمون، ردّاً على تساؤلات تلقتها «الإمارات اليوم» من ذوي طلاب حول أسباب تراجع الدور التربوي للمدرسة بصفة عامة، والمدرس على وجه الخصوص، إلى أن المعلم كان يحافظ على النظام في الفصل، ويظهر تلاميذه دلائل الخضوع والامتثال لأوامره وتوجيهاته في هدوء وسكون، لأن خطة النظام كانت تقوم على أساس إثارة المعلم لبعض الخوف في نفس المتعلم، فكثيراً ما استخدم التهديد بالعقاب لتحقيق ذلك، أما الآن فقد حدث تغير كبير في المبادئ الأساسية لإدارة الفصل، بسبب منع استخدام أيّ نوع من الشدة أو العقاب الذي يسمح للمعلم بحفظ مكانته، وتحويل الأمر إلى خصم بعض درجات السلوك التي غالباً ما تتراجع إدارة المدرسة عن تنفيذها، بجانب عدم اهتمام الطالب بها.
أساليب تقليدية شدد وكيل عام وزارة التربية والتعليم بالإنابة، علي ميحد السويدي، على ضرورة إعادة الهيبة إلى المعلم، والسمعة الطيبة إلى مهنة التعليم، كاشفاً عن وجود برنامج في الوزارة يهدف إلى تعريف المجتمع بأهمية دور المعلم. وأصدرت وزارة التربية والتعليم، أخيراً دليل المدرسة في إجراءات التعامل مع مواقف الطلبة ومشكلاتهم، وفق لائحة الانضباط السلوكي لطلبة المجتمع المدرسيّ، ليكون موجهاً وضابطاً لعمليات التعامل مع مواقف ومشكلات الطلاب، مع تحديد أدوار العاملين في المدرسة. ودعا قسم توجيه الخدمة الاجتماعية والنفسية في منطقة الشارقة التعليمية المدارس إلى الالتزام بلائحة الانضباط السلوكي للطلبة، والابتعاد عن تبني عقوبات غير مدرجة. وأشار إلى أن «عدداً من المدارس لايزال يتبع أساليب تقليدية في محاسبة الطلبة المخالفين، متناسياً ما تنصّ عليه اللائحة، مع العلم بأنها تتضمن بنوداً تفسيرية لكل المواقف، وهي شاملة ولا ملاحظات عليها، وتالياً فلا مبرر لعدم تطبيقها». وتتصدر أبرز السلوكيات السلبية المنتشرة بين صفوف الطلبة بحسب التوجيه، ظاهرة العنف بين الطلبة، والتطاول على الهيئات التدريسية، والسلوكيات السلبية التي تصدر عن الطلبة في محيط مجتمعهم المدرسيّ، في ما يعتقد قسم التوجيه أن «طرق التعامل الخاطئة مع المخالفة تؤدي إلى استمرار مثل هذه المشكلات وتفاقمها». |
وأوضحوا أن لائحة السلوك التي منعت الضرب نهائياً، تطالب المعلم بأن يعامل الطلاب معاملة حسنة، وهي تتضمن معايير تربوية تمنع الإساءة للطالب بدنياً ونفسياً. كما أنها تدعو المعلم، في حال اكتشافه سلوكيات غير سوية لدى الطالب، إلى إبلاغ الإدارة، وبحث حالة الطالب، ودوافعه للشغب، أو التلفظ بألفاظ غير مقبولة، لعلاجها من خلال الاخصائيين الاجتماعيين، والتواصل مع ذويه قبل أن تتفاقم المشكلة، معتبرين أن ذلك غير كافٍ عملياً.
واستغرب أهالٍ في اتصالات تلقتها الصحيفة أخيراً «العلاقة الباردة» بحسب وصف أحدهم، بين المدرسة والمنزل، لافتين إلى أن الاكتفاء بتوجيه الخطابات الرسمية عند ارتكاب الطالب مخالفة ما، يعكس رغبة إدارة المدرسة في إخلاء جانبها من المسؤولية، في حين أن المفترض بها هو إدراكها حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها في بناء شخصية الطالب، وتقويم سلوكه.
المسؤولية كاملة
وتفصيلاً، قالت معلمة التاريخ في إحدى المدارس الثانوية، أم سعيد، إن المشكلة الأساسية تكمن في الآباء فهم يتحملون المسؤولية كاملة عن عدم احترام المعلم، لأن الأساس في احترام المعلم لابدّ أن يتعلمه الطالب في سنّ مبكرة خلال المرحلة الابتدائية، والمنزل سابقاً كان يساعد على رسم صورة طيبة للمعلم، لكننا الآن نجد الأب هو من يتلفظ بألفاظ سيئة على المعلم أمام الابن، مما يهزّ صورته كثيراً أمام طلابه.
وأضافت أن «بعض الأهالي يتفاخرون بالتعامل السيّئ مع المعلم، وأنهم سبوه وأهانوه، وهذا أسلوب مرفوض بشكل قاطع، ويجب احترام صورة المعلم، وتحسينها أمام الأبناء، إضافة إلى أن إدارة المدرسة تضغط على المعلمين من أجل الطالب، وتقف في صفه ضد المعلم».
وأشارت معلمة اللغة العربية في إحدى المدارس الخاصة (أم عمر) إلى أنها تشعر بالحيرة إزاء ما وصلت إليه العلاقة بين الطالب والمعلم.
وشرحت أن إحدى طالباتها كانت تلتفت إلى الخلف وتتحدث مع زميلة لها، أثناء إجراء امتحان لتقييم مستوى الطالبات، وعندما طالبتها بالتزام الهدوء، رفضت الطالبة ذلك، وتشاجرت معها، ثم اتصلت بوالدتها، وأخبرتها بأن معلمتها ضربتها، وأنها أصيبت في رأسها، وعندما حضرت والدتها إلى المدرسة، أكدت لها أنها لم تضرب ابنتها، لكن الأم سبتها وأهانتها.
وتابعت: «على الرغم من أنها تأكدت من كذب ابنتها، وعدم وجود إصابات، فهي لم تتراجع عن موقفها، وواصلت توجيه الشتائم لي، وللمدرسة، وتهديدنا باللجوء إلى الشرطة، الأمر الذي دفع إدارة المدرسة إلى مطالبتي بالاعتذار لها لإنهاء الموضوع، وهو ما سبب لي أضراراً نفسية كبيرة».
وقال أسعد حسن، إنه يعمل في التعليم منذ سبع سنوات، وإنه يلاحظ كيف تتحول المدرسة في كثير من الأحيان، إلى ساحة صراعات بين الطلاب، أو بينهم وبين معلميهم، لافتاً إلى وجود مشكلات يومية.
وطالب حسن بإعطاء المعلم صلاحيات تختصّ بالعقاب والثواب «فقد يكون الضرب مطلوباً في بعض الحالات، من أجل تصحيح سلوكيات معينة لدى الطلاب. لكن المهمّ ألا يكون ضرباً مبرحاً، لأن الهدف منه هو تخويف الطالب فقط، أما إذا شعر الطالب بأنه لا يوجد أيّ صلاحيات لدى المعلم يمكنه استخدامها في عقابه، فسيشعر بالقوة ويتجرأ على معلمه، ما يفقد المعلم احترامه وهيبته».
كما يلاحظ حسن أن «المكانة الاجتماعية للمعلم في مجتمعنا تراجعت كثيراً، إذ أصبح هناك ما يشبه الهروب الجماعي من العمل في سلك التعليم، فلا يوجد مميزات تشجع على العمل في هذا المجال».
العقاب البدني
وكان ذوو طلاب قد شكوا عدم مساعدة المدرسة لهم في تقويم سلوك أبنائهم الطلبة، معتبرين أنها تخلت عن دور الشريك في تربية الأبناء، وحوّلت العلاقة بين الأهل والمدرسة إلى نظام روتينيّ، لا يتعدى المراسلات الكتابية بين المدرسة والمنزل.
وقالت (أم عبدالله)، وهي والدة طالبين في الصف السابع والـ،10 إن المعلم تحول إلى وسيلة مراسلة فقط، ولم يعد يقوم بواجبه الأساسي في مساعدة المنزل في تربية الأبناء، لافتة إلى أنه لا يمكن أن تكون المدرسة مجرد مكان للتحصيل الدراسي.
وقالت إنها تستغرب الحيادية التي تتصرف بها إدارات المدارس، واكتفاءها بتوجيه خطاب إلى الأهل في حال ارتكب أحد طلابها مخالفة، تخلي فيه مسؤوليتها عمّا سيترتب على ذلك، وتحمّلها لهم كاملة.
واتهم سعيد القاضي، والد أحد الطلاب، المعلمين بالتقاعس عن تأدية واجبهم التربويّ، بحجة وجود قوانين تمنع الضرب، مشيراً إلى أن استخدام الضرب في السابق كان يتم في معظم الأوقات بشكل مفرط بسبب بعض المشكلات النفسية لدى المعلمين، ما كان يعرض أبناءهم للإيذاء البدني والنفسي، معرباً عن استغرابه من أن يكون العقاب البدني هو الطريقة الوحيدة التي يعرفها المعلم لتوجيه الطالب، وتقويم سلوكه.
وعزا (أبوسلطان) وهو والد طالب بالصف الـ،11 ضياع هيبة المعلم، إلى ممارسة معظم المعلمين مهنة الدروس الخصوصية، متسائلاً: «كيف يحترم الطالب المعلم الذي يأتي إلى بيته، ويمدّ يده إليه ليتقاضى الأجر في نهاية الحصة، خصوصاً أن المعلم يتحمل خلال الحصة كثيراً من مضايقات الطلبة واستخفافهم به مقابل الحفاظ على الأجر الإضافي، ما يشجع الطلبة على التمادي في الاستهزاء به سواء في الصف أم في المنزل؟».
المعايير السلوكية
وعزا الاختصاصي الاجتماعي، عاطف الشاذلي، السبب الرئيس في وصول العلاقة بين المعلم والطالب إلى هذه المرحلة إلى عدم تطبيق المعايير السلوكية بشكل فعال في المدارس، إضافة إلى تجريد المعلم من صلاحياته كافة، وتركه مكبل اليدين في مواجهة ظواهر اجتماعية قد تكون بالغة الخطورة، فلا عقاب أو ردع لتصرفات وسلوكيات الطلاب غير اللائقة، كما أن عدم وجود سياسة واضحة داخل المدارس لإدارة سلوك الطلبة، يجعل المعلم الطرف الأضعف في المعادلة.
وقال الشاذلي إنه على الرغم من ارتفاع مستوى طرق التدريس، واستراتيجيات التعلم التي تستخدم في المدارس، فمن الملاحظ تدني المستوى الأخلاقي للطلاب، بسبب تدني الدافعية لديهم في التعلم، كما أن ضعف التواصل مع الأهالي يشكل عقبة كبيرة أمام المعلم، على الرغم من استخدام الطرق كافة لتحسين التواصل مع الآباء، خصوصاً أن الطلاب أصبحوا على اطلاع جيد بالقوانين، وهم يعلمون أنها غير ملزمة لهم في كثير من الأحيان، ما يتسبب في إشعارهم بالقوة تجاه معلميهم.
وأضاف أن المعلم لا يحصل على الاحترام الذي يستحقه من طلابه، عازياً ذلك إلى أنه لا يعطى الصلاحيات والمميزات نفسها التي تمنح للطالب. وتابع أن العبارة التي ترددها الإدارات المدرسية عند وجود مشكلة بين المعلم وأحد طلابه، عادة، هي ضرورة احتواء الطالب، ومراعاة ظروفه الخاصة.
ورأى الشاذلي أن «مهمة المعلم الأساسية هي التعليم، وليست معالجة مشكلات الطالب الاجتماعية، لأن وقت الحصة ليس من حق طالب بعينه دون الطلاب الآخرين حتى يشغلها المعلم ببحث ظروفه الخاصة»، معتبراً أن سبب ضياع هيبة المعلم وعدم احترام طلابه له، هو عدم إنصاف المعلم.
وشدد مدير مدرسة ثانوية، طلب عدم ذكر اسمه، على أهمية عنصري الثواب والعقاب في العملية التربوية، مشيراً إلى أن إلغاء العقاب كلية، بمختلف أنواعه وأشكاله من العملية التربوية، أفقدها أحد أهم مقوماتها.
وقال إن ما يشهده المجتمع المدرسي من انفلات واضح في السلوك يعدّ أحد إفرازات الخلل البين في استخدام معادلة الثواب والعقاب في المدارس، مشدداً على أن العقاب ضرورة تربوية لا ينبغي التخلي عنها، وفق الضوابط الشرعية والتربوية.
وأضاف أن المدرس كان يمثل مجموعة من القيم والأخلاقيات، وكان له حضور وهيبة في نفوس الطلاب، كما كان للمدرس دور أساسي في رسم شخصية الطالب، مطالباً بأن يلجأ المدرس للضرب بعد أن يستنفد وسائل العقاب كافة، خصوصاً أن فقدانه هيبته أحدث خللاً في منظومة التعليم.
إجراءات تأديبية
من جانبه، أكد مجلس أبوظبي للتعليم أنه ينظر إلى المعلمين باعتبارهم مصدر قوته الأولى، وأهمّ عنصر لديه يعينه على تحقيق مسعاه في بناء نظام تعليمي «باعتباره الخط الأمامي في العملية التعليمية، بسبب تعامله المباشر واليومي مع الطلاب».
وأوضح أنه يلزم المدارس الحكومية والخاصة بوضع خطط لإدارة سلوك الطلبة، وعمل سجلات للطلاب، تحتوي على بيانات دقيقة، خاصة بالحضور اليومي في المدرسة، على أن يرفع تقرير عن كل طالب عقب كل فصل من الفصول الدراسية الثلاثة إلى المنطقة التعليمية، وإحالة حالات الغياب المتكرر إلى مدير المدرسة، أو الاختصاصي الاجتماعي.
وأشار إلى إصدار لائحة للسلوك الطلابي لضبط سير العملية التعليمية في المدارس، التي تضم الإجراءات التأديبية المتخذة ضد الطالب، وتعتمد على عوامل عدة، أهمها أن تتناسب مع حجم المخالفة السلوكية، ومساعدة المدرس على تحقيق الانضباط من خلال تحديد الإجراءات التأديبية المناسبة وفقاً لحجم المخالفة، على ألا يكون هناك أيّ عقاب بدنيّ من أيّ نوع في أيّ مدرسة بأبوظبي.
وتقسم درجات إساءة السلوك لدى الطلبة إلى ثلاثة مستويات، يتطلب كلّ منها اتخاذ إجراءات تأديبية مختلفة.
وتحدد اللائحة المستوى الأول من حالات تعمّد إساءة السلوك، بارتكاب أيّ سلوك يؤدّي إلى تعطيل العملية التعليمية، أو التأثير سلباً في البيئة التعليمية، مثل التأخير، أو عدم ارتداء الزيّ المدرسيّ، أو تحدّي السلطة المدرسية، أو التفوّه بألفاظ مسيئة تجاه الأقران أو المعلمين، أو محالفة قواعد الصفّ.
وتشير اللائحة إلى أن المستوى الثاني من حالات تعمد إساءة السلوك هو كل ما يتسبب في تعطيل جسيم للعملية التعليمية، أو يتسبب في إصابة الذات والآخرين بشكل غير مباشر، مثل التحرش والعنف والتعدي على الممتلكات، ومغادرة المدرسة من دون إذن، والتخريب، والغش في الامتحانات.
وجاء المستوى الثالث ليشمل كلّ تصرف من الطالب ينجم عنه التسبب في خطر الأذى البدني لأقرانه الطلبة، أو المعلمين في المدرسة، أو الآخرين، ويشمل هذا المستوى أيّ فعل ينجم عنه ضرر ذهنيّ أو تدمير لممتلكات المدرسة أو الممتلكات الشخصية أوحيازة أو بيع أو تعاطي الممنوعات، والاعتداء على الآخرين بهدف السرقة أو السّطو، وإحراق الممتلكات عمداً، وممارسة أنشطة العصابات (العنف)، إضافة إلى حيازة أو بيع أو استعمال الأسلحة أو المتفجرات.