«شيكات الضمان» تقود متعاملين إلى السجن
اتفقت آراء قانونية ومالية ومصرفية على خطورة تداول الشيكات المصرفية التي تحرر على سبيل «الضمان»، مؤكدين أنها تعد أداة دين تعرض أصحابها للمساءلة القانونية والعقاب، في حال عدم وجود وفاء نقدي لها، لافتين إلى أن العديد من المتعاملين تمت إدانتهم قضائياً أخيراً بقضايا شيكات ضمان، إذ لا تعتد المحاكم بالقصد الحسن من وراء تحرير الشيك، ولا تعتبر صرفه من قبل حامله خيانة أمانة، وإنما تعتبره أداة وفاء تستحق أن يكون لها مقابل، ويعاقب القانون بالحبس من شهر إلى ثلاث سنوات أو بالغرامة من أعطى بسوء نية صكاً (شيك) ليس له مقابل وفاء.
وقال مدانون في قضايا شيكات ضمان، إنهم لم يقصدوا من وراء تحرير الشيكات تقديمها إلى البنوك بغرض صرفها، وإنما كانت على سبيل الضمان فقط، متابعين أن المستفيدين خانوا الأمانة، وقدموا الشيكات إلى البنوك، فتم إرجاعها لعدم وجود رصيد يغطي قيمتها، ما أدى إلى تقديمهم إلى المحكمة على الرغم من عدم توافر أركان الجريمة.
القصد الجنائي رفضت المحكمة الاتحادية العليا أخيراً طعنين ضد حكمين دانا متهمين بجريمتي إعطاء شيك ليس له مقابل وفاء، ورفضت دفاع المتهمين بأنهما أعطيا الشيكين على سبيل الضمان وليس للصرف، مؤكدة أن جريمة إعطاء شيك من دون رصيد تتحقق متى أعطى شيكاً لا يقابله رصيد، وإن تحرير الشيك بغرض الضمان لا يؤثر في قيام الجريمة. وأيدت هيئة المحكمة حكماً قضى بتغريم شخص 5000 درهم، إذ أعطى شيكاً على سبيل الضمان لم يقابله وفاء، موضحة أن القصد الجنائي في هذه الجريمة يتحقق بمجرد علم الساحب بعدم وجود مقابل وفاء له في تاريخ السحب، ولا عبرة بالأسباب التي دعت إلى إصدار الشيك. كما فصلت المحكمة الاتحادية في قضية أخرى مؤيدة حكماً بتغريم متهم 10 آلاف درهم لإعطائه شيكات من دون رصيد.
شيكات مرتجعة أظهرت إحصاءات المصرف المركزي أن قيمة الشيكات المرتجعة خلال العام الماضي بلغت 56.1 مليار درهم، تعادل نحو 5.46٪ من قيمة الشيكات التي تمت مقاصتها العام الماضي، البالغة قيمتها 1.03 تريليون درهم. وأظهرت الإحصاءات أن حصة الشيكات المرتجعة تراجعت لتبلغ 6.3٪، تعادل 1.75 مليون شيك من إجمالي 28 مليون شيك تقريباً في العام الماضي، مقابل نسبة بلغت 6.11٪، تعادل 1.77 مليون شيك من إجمالي عدد الشيكات المقدمة للمقاصة، البالغ 28.94 مليون شيك عام .2009 |
بينما أكد مستفيدون أنهم استعملوا حقهم في استخدام هذه الشيكات لاسترجاع حقوقهم المتفق عليها، عندما أخل الطرف الآخر ببنود الاتفاق المبرم بينهما.
وأفادت المحكمة الاتحادية العليا بأن الغرض من تحرير الشيك لا يؤثر في المسؤولية الجنائية التي تقع على محرره، في حال عدم وجود وفاء له، إذ إن التبرير بتحرير الشيك كان بغرض الضمان لا يعدو أن يكون باعثاً للجريمة ولا تتأثر معه المسؤولية الجنائية.
فيما قال مدير مكتب ثقافة احترام القانون في الأمانة العامة لمكتب سمو نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، المقدم الدكتور صلاح عبيد الغول، إن القانون منح حماية جزائية للشيك، وقرر عقوبة الحبس والغرامة لمن يحرر بسوء نيّة شيكاً ليس له رصيد كافٍ.
العرف السائد
وتفصيلاً، قال المستشار المالي والخبير القانوني، صلاح الحليان، إن العرف السائد في المعاملات المالية دأب على اعتماد الشيك أداة ضمان، على الرغم من أن القانون ينفي عنه هذه الصفة، كونه أداة وفاء فقط، موضحاً أن البنوك وجهات أخرى تشترط على المستفيد تحرير شيكات على سبيل الأمانة كنوع من ضمان التزام صاحب العلاقة، وهي بذلك تخالف القانون، كون قيمة هذه الشيكات غير موجودة على أرض الواقع، بمعنى أن من يكتب شيك أمانة مقابل قرض بـ100 ألف درهم مثلاً فهو في واقع الحال لا يمتلك هذا المبلغ في رصيده، لذا فإن وجود شرط يفرض كتابة شيكات الضمان يعد احتيالاً من الطرف الأقوى في علاقة التعاقد.
ولفت الحليان إلى أن كثيراً من دول العالم لا تعتبر كتابة شيك من دون رصيد جريمة، لكن يتم تقديم صاحبه إلى المحاكمة في حال عدم التمكن من صرفه من البنك، وذلك بغية التأكد من أحقية صاحب الحق والأمر بدفع قيمته.
وتوقع أن يسهم قانون الائتمان الجديد في حل كثير من المشكلات التي تتسبب في سجن أصحابها، على الرغم من أن الأمر يمكن أن يحل بطريقة ودية، خصوصاً إذا كان عدم الالتزام يرجع إلى إسباب قهرية، مثل تأثر الدخل الشهري، إضافة إلى عدم وجود سوء نية.
من جانبه، قال مسؤول في المصرف المركزي، فضل عدم ذكر اسمه، إن الشيكات لا يحكمها قانون المصرف المركزي، بل قانون المعاملات التجارية، ولا يمكن التفريق بين شيك ضمان أو غيره للأمانة أو أية مسميات أخرى دأب العرف بين المتعاملين على استخدامها، موضحاً أن المحاكم تبني حكمها بناء على التعريف الموجود في قانون الشيك على أنه أداة وفاء وليس ضماناً.
وأشار إلى أن إثبات سوء النية في قضايا الشيكات أمر فيه كثير من الاختلافات، نظراً لرغبة المشرّع في الحد من قضايا الشيكات المرتجعة من خلال تطبيق صارم للقانون، يحث الأفراد على عدم الاستهانة بالتوقيع على شيكات من دون وجود أرصدة حقيقية لها، مشيراً إلى أن توقيع عملاء بنوك على شيكات مقابل تسهيلات ائتمانية يتم بالتراضي بينهم وبين البنوك التي يتعاملون معها، ولا يوجد قانون يجبرهم على ذلك، إلا كونهم مستفيدين ويوقعون كل ما يطلب منهم في معظم التعاملات.
الحبس أو الغرامة
وأكد المحامي سعيد خوري، أنه لا يوجد في القانون ما يسمى شيك ضمان، وإنما يعد الشيك أداة وفاء ما دام تم تحريره للغير ويستحق. وقال إن هناك مسؤولية قانونية مترتبة على إعطاء شيك من دون رصيد، إذ تنص المادة (401/1) من قانون العقوبات على أن «يعاقب بالحبس من شهر إلى ثلاث سنوات، أو بالغرامة، من أعطى بسوء نية صكاً (شيك) ليس له مقابل وفاء كاف وقائم وقابل للساحب، ويعاقب بالعقوبة ذاتها من ظهر لغيره أو سلمه صكاً لحامله وهو يعلم أن الصك ليس له مقابل قائم يفي بقيمته أو أنه غير قابل للسحب»، موضحاً أن العقوبة تخضع لتقدير القاضي. وطالب خوري بوضع قواعد قانونية تنظم عمليات تحرير الشيكات، خصوصاً تلك التي يتم فيها إلزام عملاء البنوك بتحريرها على سبيل الضمان، للحصول على تسهيلات مصرفية مثل القروض أو التمويل، إذ إنه في حال تعثرهم يقوم البنك بتقديم هذه الشيكات إلى المحكمة، ومطالبة العميل بسداد أصل المبلغ كله، بغض النظر عن الأقساط التي سددها العميل، ومن ثم تتم إدانته من دون الاعتبار إلى أن هذه الشيكات حررت بغرض الضمان وليس التداول. وأشار إلى أن دعاوى الشيكات التي ترفعها البنوك ضد الأفراد يفترض أن يتم فيها التحري حول مسألة خيانة الأمانة من قبل الجهة التي حررت لمصلحتها شيك الضمان، وعلى المتضرر أن يثبت للقضاء هذا الأمر، لافتاً إلى أنه في القوانين الأوروبية تدين البنوك بخيانة الأمانة في حال صرفها شيكات الضمان، لما في ذلك من إخلال بحقوق العملاء.
جريمة الشيك
من جانبها، أكدت المحكمة الاتحادية العليا أن جريمة إعطاء شيك من دون رصيد، يتحقق متى أعطى الشاكي شيكاً لا يقابله رصيد، أو أعطى شيكاً له مقابل، ثم أمر بعدم السحب أو سحب الرصيد كله أو سحب من الرصيد مبلغاً تصبح البقية غير كافية للوفاء بقيمة الشيك، والقصد الجنائي في هذه الجريمة هو القصد الجنائي العام الذي يكفي فيه علم من أصدره بأنه إنما يعطل الوفاء بقيمة الشيك الذي أصدره، ولا يستلزم فيها قصد جنائي خاص، ويتوافر هذا القصد الجنائي بإعطاء الشيك مع علمه بعدم وجود رصيد قائم له وقابل للسحب، أو بإصدار أمر للمسحوب عليه بعدم الدفع، إذ إن مراد المشرع من العقاب هو حماية الشيك في التداول وقبوله في المعاملات، على اعتبار أن الوفاء به مثل النقود سواء بسواء ولا عبرة بعد ذلك بالأسباب التي دفعته لإصداره، لأنه من قبيل البواعث، التي لا تأثير لها في قيام المسؤولية الجنائية.
الشيك أداة وفاء أكد مدير مكتب ثقافة احترام القانون في الأمانة العامة لمكتب سموّ نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، المقدم الدكتور صلاح عبيد الغول، أن الأصل القانوني يعتمد على اعتبار الشيك أداة وفاء تحل مقام النقود في المعاملات بين الأفراد، وذلك لسداد قيمة المبلغ الذي حرر به الشيك، بمجرد تقديمه للصرف لدى البنك المسحوب عليه، وليس لأي غرض آخر مثل ضمان السداد وغيره، وعليه فقد منح القانون حماية جزائية للشيك، وقرر عقوبة الحبس والغرامة لمن يحرر بسوء نية شيكاً ليس له رصيد كاف قائم وقابل للسحب، أو استرد بعد إعطائه الشيك كل المقابل أو بعضه، بحيث لا تفي البقية بقيمة الشيك، أو أمر البنك المسحوب عليه بعدم صرفه، أو كان قد تعمد تحريره أو توقيعه بصورة تمنع صرفه، لذا فإن تحرير أي شيك وتسليمه لآخر لغير غرض الوفاء والسداد، كضمان سداد قرض بنكي أو تقسيط دفعات إيجارية، هو أمر يخالف الطبيعة المفترضة للشيك كأداة وفاء وليس ائتمان أو ضمان. وقال إنه «نظراً لما تلعبه الشيكات من دور بارز في عملية ضمان الائتمان في الدولة، إذ مازالت هي الوسيلة السائدة لضمان سداد القروض بأنواعها كافة، وعمليات تأجير العقارات وغيرها من المعاملات التجارية، فقد اتجه القضاء الإماراتي إلى اعتبار أن جريمة إعطاء شيك من دون رصيد تتحقق بتوافر القصد الجنائي العام، ويتوافر القصد الجنائي لهذه الجريمة بإعطاء الشيك مع علم الشخص بعدم وجود رصيد قائم وقابل للسحب، أو بإصدار أمر إلى المسحوب عليه بعدم الدفع، أي إذا سلم الشخص شيكاً لا يقابله رصيد، أو أعطى شيكاً له مقابل ثم أمر بعدم السحب، أو سُحب الرصيد كله، أو سُحب من الرصيد مبلغ بحيث تصبح البقية غير كافيةٍ للوفاء بقيمة الشيك، فإنه يعاقب بالعقوبة المقررة في المادة (401) من قانون العقوبات الاتحادي، وهي الحبس من شهر إلى ثلاث سنوات، أو الغرامة التي تراوح بين 1000 و30 ألف درهم، وذلك بغض النظر عن الأسباب التي دفعته لإصداره، مثل ضمان القرض أو ضمان تسديد الأجرة أو غيرهما، لأن ذلك يعد من قبيل البواعث التي لا تأثير لها في قيام المسؤولية الجنائية». |