اخبار العالم

«نسيان الطلبة» ينتقل من الحافلات إلى المدارس..والاضطرابات النفسية والاكتئاب أبرز آثاره

أفاد أولياء أمور تلاميذ بمرحلتَي رياض الأطفال والحلقة الأولى، بأن هناك حالات نسيان أطفال داخل المدارس عقب انتهاء اليوم الدراسي، ما يعرضهم لخطر مماثل تماماً لحوادث النسيان داخل الحافلات المدرسية، التي شهدتها الدولة، خلال السنوات الماضية، قبل اتخاذ إجراءات تحول دون ذلك، ملقين بالمسؤولية على إدارات المدارس ومشرفات النقل والسلامة بالحافلات.

فيما أكدت مؤسسة الإمارات للمواصلات أنه في حال رصد مثل هذه الحالات، وثبوت مسؤولية المشرفات عن هذا الإهمال، فإنهن يخضعن لتحقيق جزاء، قد ينتج عنه إنهاء خدماتهن.

وقالت مشرفة حافلة إن هذا الخطأ ربما يكون ناتجاً عن زيادة عدد الطلبة، الأمر الذي يشتت تركيز المشرفات أثناء التأكد من اكتمال عدد الطلبة في الحافلة.

في حين، أشارت مستشارة نفسية، إلى أن الطفل حين تعرّضه لحالة نسيان في مكان ما، يصاب بالذعر والخوف وعدم الشعور بالأمان، ما ينتج عنه تبول لا إرادي واضطرابات نفسية، ويدخله في حالة اكتئاب، وشخصية غير متزنة تؤدي إلى إصابته بصعوبات تعلم، وتالياً تأخر دراسي.


قالت (أم جنا)، وهي أم لتلميذين بالمرحلة الابتدائية في إحدى المدارس الخاصة بالشارقة، إنها في أحد الأيام، عقب الانتهاء اليوم الدراسي، توجهت إلى نقطة التقاء الحافلة المدرسية لاستقبال طفليها، وفوجئت بعدم وجود أحدهما، وعندما سألت المشرفة عنه أخبرتها أنها نسيته في المدرسة، وأن هذا خطأ غير مقصود وقع بسبب زيادة أعداد الطلبة في الحافلة.

وتابعت: «أسرعت إلى المدرسة مصابة بحالة من الهلع والخوف، وكانت كل لحظة تمرّ أتخيل حدوث مكروه لطفلي، خصوصاً أن جميع من في المدرسة قد انصرفوا، وحين وصلت وجدته يلعب بمفرده في ساحة المدرسة، فأخذته وتوجهت للبحث عن أي مسؤول في إدارة المدرسة، لكن لم أجد أحداً أو أياً من الموظفين، باستثناء عاملات النظافة».

وذكرت أنها «في اليوم التالي قدمت شكوى إلى إدارة المدرسة، التي اكتفت بالاعتذار لها، وتوجيه لفت نظر لمشرفة الحافلة».

كاميرات مراقبة

قال مدير عام مدرسة «سما الأميركية» بالشارقة، حسان صبّاح، إن إدارات المدارس تحرص على تشديد الرقابة على الطلبة، لاسيما عند انصرافهم من المدرسة، وخصصت موظفين لهذا الخصوص، كما وضعت كاميرات مراقبة في جميع مرافق المدرسة، يتم من خلالها التأكد من عدم وجود أي طالب داخل المدرسة بعد انتهاء اليوم الدراسي، موضحاً أن دور مشرفي المدرسة يتمثل في التأكد من انصراف جميع الطلبة من المدرسة، كما تحرص إدارات المدارس على تزويد أولياء أمور الطلبة بأرقام هواتف هؤلاء المشرفين للتواصل المباشر معهم في حال حدوث أي طارئ.


اضطرابات نفسية

أكدت المستشارة النفسية والأسرية بمركز همسة للاستشارات النفسية في دبي، الدكتورة هيام عبدالله أبومشعل، أن «الأثر النفسي على الطفل، في حال نسيانه بالمدرسة، يتمثل في شعوره بالخوف والقلق والفزع، ما يخلق بداخله قناعة راسخة تجعله يوجه اللوم لوالديه لاعتقاده أنهما مَن نسياه، وإنه مُهمَل وليس مهماً بالنسبة لهما»، موضحة أن الطفل يعيش لحظات عصيبة ومخيفة، وهذا الأمر يكون له أثر قصير المدى، يتمثل في الخوف والقلق اللذين يخلقان بداخله اضطرابات نفسية مستقبلاً، قد تدخله في اكتئاب يؤثر سلباً في نموّيه العقلي والعصبي.

وأضافت «تُحدث حالة الفزع لدى الطفل اضطرابات في الأكل، بالإضافة إلى الخوف من المدرسة وشعوره بأنها بيئة غير آمنة، كما أن الإحباط يتسرب إلى نفسه تجاه دراسته، ما يثبط شعوره بالدافعية نحو التعلم والتعليم، ويجعله يعاني صعوبات تعلم، إذ يدخل في حالة من الصمت الاختياري أثناء وجوده في المدرسة، تؤدي به إلى فشل دراسي، كما أنها تجعله يعاني في بعض الأحيان حالة تبول لا إرادي».

وقالت: «نسيان الطالب في المدرسة يعرّض حياته للخطر، إذ إنه في حال خروجه من بوابة المدرسة إلى الشارع العام قد يتعرض لحادث دهس»، مطالبة بفرض عقوبات صارمة من قبل الجهات المعنية على المدارس التي تسجل لديها مثل هذه الحالات.

وأشارت لولوه الحمادي، إلى أنها عايشت موقفاً مشابهاً عندما كانت برفقة صديقتها، وهي أم لطالب في الصف الأول الابتدائي، وتم نسيانه في المدرسة، إذ سجلت مشرفة الحافلة اسمه وبعدها توجه إلى دورة المياه، لكن الحافلة غادرت دون أن ينتبه أحد إلى غيابه، مشيرة إلى أنه تم العودة إلى الطالب والعثور عليه داخل المدرسة، وكان في حالة فزع شديد. وأوضحت أن الأم نقلت ابنها إلى مدرسة أخرى بعد هذه الواقعة. من جهتها، قالت ناعمة الكتبي، والدة أربعة أطفال يدرسون في إحدى المدارس الخاصة، إن «أحد أطفالها لم يحضر إلى المنزل، وحين سألت مشرفة الحافلة أخبرتها بأن والده اتصل هاتفياً بإدارة المدرسة قبل نهاية اليوم الدراسي، وأخبرهم أنه سيحضر لاصطحابه، فاتصلت مباشرة به للتأكد من صحة المعلومة إلا أنه نفى ذلك، وعندما أسرعت إلى المدرسة وجدت ابنها في غرفة الانتظار مع إحدى الموظفات».

وتابعت «اكتشفت أن سوء فهم حدث من إحدى الإداريات التي اتصل بها أحد أولياء أمور الطلبة، وطلب منها أن تبقي ابنه لديها لحين مروره عليه، ولأن ابنه في الفصل الدراسي نفسه الذي يدرس به ابني وباسمه الثلاثي نفسه، التبس عليها الأمر، وظنت أن ابني هو المعنيّ، وبسبب ذلك قضيت ثلاث ساعات في فزع وخوف كبيرين»، مضيفة أنها «في اليوم نفسه اتصلت بها مديرة المدرسة هاتفياً وقدمت لها اعتذاراً، ووعدت بعدم تكرار الموقف».

واعتبرت أن «السبب الرئيس لنسيان الطلبة في المدارس هو الإهمال من مسؤولي المدرسة».

وأيدها الرأي بدر صالح الكعبي، وهو ولي أمر طالب في المرحلة الإعدادية، الذي رأى ضرورة أن توجه وزارة التربية والتعليم مخالفات للمدارس التي تسجل ضدها حالات نسيان طلبة فيها، كون تكرار مثل هذه الحالات يسبّب هلعاً للطفل قد تترتب عليه حالة نفسية سيئة تستمر معه سنوات، فضلاً عن أن الأهل يعيشون ساعات عصيبة حتى يعثروا عليه، لافتاً إلى ضرورة اتخاذ إجراءات كالتي تم اتخاذها للقضاء على مشكلة نسيان طلبة داخل الحافلات.

وأضاف: «يجب أن يشارك العاملون في المدرسة المُشرفات في عملية نقل الطلبة من فصولهم إلى الحافلات مع نهاية اليوم الدراسي، والتأكد من اكتمال العدد».

من جانبها، أفادت مشرفة حافلة في إحدى المدارس الخاصة، انتصار عبدالله، بأن «هناك مسؤوليات كبيرة تقع على عاتق المشرفات، ومنها التأكد من اكتمال عدد الطلبة داخل الحافلة، والحفاظ على التزامهم الهدوء، وتجنب وقوع مشاجرات بينهم طوال رحلتَي الذهاب والعودة من وإلى المدرسة»، مشيرة إلى أن «زيادة عدد الطلبة داخل الحافلات كبيرة الحجم، قد تجعل المشرفة تخطئ في عدّهم، ويكون أحدهم غير موجود فتتحرك الحافلة من دون الانتباه لغيابه». وقالت:«حالات نسيان الطلبة في المدارس نادرة الحدوث، وقد لا يتم رصدها بتاتاً، إذ إنه بعد توزيع الطلبة على كراسيهم في الحافلات، وتأكد المشرفة من اكتمال العدد والأسماء، يوجد أشخاص بالمدارس معنيون بالتأكد من وجود جميع الطلبة في الحافلات المخصصة لنقلهم إلى منازلهم كل يوم»، لافتة إلى أنه «في حال نسيان المشرفة أحد الطلبة في المدرسة قد يصل العقاب إلى الفصل من العمل». في المقابل، أكد مدير المواصلات المدرسية في مؤسسة مواصلات الإمارات فرع الشارقة، عدنان محمد الزرعوني، أن «المؤسسة تخصص مشرفات (نقل وسلامة) في حافلات طلبة مراحل رياض الأطفال، وحلقة أولى بمدارس الدولة، ويكون لديهن كشف بأسماء وعدد الطلبة الذين يستقلون الحافلة يومياً، ويتولين التأكد من اكتمال العدد أثناء صعودهم للحافلة ونزولهم منها، وذلك بالتنسيق مع المناوبات والإداريات بالمدرسة لمعرفة الذين تم نقلهم بمركبات أولياء أمورهم».

وأشار إلى أن «مشرفات (النقل والسلامة) مسؤولات عن الطلبة داخل الحافلات المدرسية، وأيضاً في محيط المدرسة، أثناء صعودهم إلى الحافلة ونزولهم منها، أما المناوِبات التابعات للمدرسة فيتمثل دورهن في التأكد من خروج جميع الطلبة من الفصول عقب انتهاء اليوم الدراسي».

وقال الزرعوني: «في حال نسيان أحد الطلبة بالمدرسة، فإن العقوبة ضد مشرفة الحافلة قد تصل إلى الفصل من العمل، إذ تخضع لتحقيق جزاء، ومن ثم يخصم من راتبها سبعة أيام عمل، بالإضافة إلى توجيه إنذار بالفصل، واحتساب نقاط سوداء في ملفها المهني، وزيادة عدد النقاط السوداء قد تؤدي إلى الفصل النهائي من المهنة، أما في حال نسيان أحد الطلبة داخل الحافلة، فإن الإجراء المتخذ هو إنهاء خدمة المشرفة والسائق بعد ثبوت ضلوعهما بالمسؤولية في الحادث، أما في حال اكتشف السائق وجود الطالب داخل الحافلة، وأبلغ عن الأمر فإن المسؤولية كاملة في مثل هذه الحالة تقع على المشرفة فقط».

وذكر الزرعوني «نسعى إلى تطوير الأنظمة والإجراءات الكفيلة بضمان توفير نقل آمن ومنتظم ومستدام، وملتزم بمعايير السلامة والراحة لجميع الطلبة المنقولين على مستوى مدارس مدن ومناطق الدولة، إذ نلتزم بتطبيق خطة استراتيجية وتشغيلية ترتكز على تطوير العمليات المنفذة والخدمات المطبقة من خلال تحقيق نتائج استثمارية عالية، وأداء تقني يفي بتوقعات المتعاملين».

يشار إلى أن المادة رقم (1) من القانون الاتحادي رقم (3) لسنة 2016 بشأن قانون حماية الطفل (وديمة)، عرّفت إهمال الأطفال بأنه عدم قيام الوالدين، أو القائم على رعاية الطفل، باتخاذ التدابير اللازمة للمحافظة على حياته وسلامته البدنية والنفسية والعقلية والأخلاقية من الخطر، وحماية حقوقه المختلفة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى