اخبار العالم

الغصين: زايد امتلك نظرة بعيدة المدى وقدرة على التخطيط للمستقبل

قال المهندس غسان صبحي الغصين لـ«الإمارات اليوم» إن المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، كان يتمتع بنظرة بعيدة المدى، وقدرة على التخطيط للمستقبل، انعكست على ما قام به من إنجازات تقطف اليوم ثمارها دولة الإمارات العربية المتحدة في مختلف المجالات، مؤكداً أن الشيخ زايد وضع بنفسه خططاً لكثير من مشروعات التطوير في إمارة أبوظبي منذ توليه الحكم، ولم يكن يتهاون في محاسبة المخطئ، وهو ما كان سبباً في نجاح سياسته.

وأوضح الغصين أنه قدم إلى الشارقة في عام 1962 للعمل في إحدى الشركات، وفي عام 1966 انتقل إلى العين للعمل مهندساً مدنياً في الإنشاءات في فرع الشركة بأبوظبي، ثم انتقل للعمل في حكومة أبوظبي، وتحديداً في بلدية أبوظبي، عام 1968، قبل أن ينتقل للعمل إلى جانب الشيخ زايد بن سلطان، ليكون شاهداً على مسيرة طويلة من البناء والتطوير، حيث كلفه الشيخ زايد بالمتابعة والإشراف على تطوير مناطق عدة في الإمارة، فبدأ بتسليمه مشروع تطوير جزيرة «صير بني ياس»، ثم انتقل إلى تطوير جزيرة دلما، وبعدها كلفه بإنشاء مدينة سكنية في منطقة السلع، إضافة إلى تطوير منطقة المرفأ.

وقال الغصين: «خلال تلك المسيرة الطويلة، كنا نعمل بحماس لتنفيذ خطط هذا الرجل، الذي كان قلبه على البلد وعلى المواطن في كل مكان من الدولة». وأضاف الغصين: «مع بداية العمل في (صير بني ياس)، أمر المغفور له الشيخ زايد بعمل سدود ترابية لحجز مياه الأمطار، واستخدامها في الزراعة بدلاً من فقدانها في البحر، كما كان يحدث من قبل، ثم استقدم شركات خارجية لتتولى زراعة الجزيرة، ولكن سير العمل لم يعجبه، فتولى بنفسه الإشراف على العمل عن طريق الدائرة الخاصة التي جلبت عمالاً لتنفيذ الخطط التي وضعها بنفسه»، لافتاً إلى أن تطوير الجزيرة لم يقتصر على زراعتها، فبعد مرور فترة على نجاح زراعة أشجار مختلفة، أمر الشيخ زايد بجلب حيوانات من دول مختلفة، مثل إفريقيا والهند وأميركا الجنوبية وغيرها، لإطلاقها في الجزيرة. ومع الوقت تحولت الجزيرة من صحراء إلى مزار سياحي، تتوافر فيه كل وسائل الراحة، من مبيت وطعام ووسائل مواصلات وانتقالات وغيرها. وعن كيفية زراعة الجزيرة، على الرغم من طبيعتها القاسية، قال الغصين إن: «طبيعة (صير بني ياس) جبلية صخرية، وبها مناطق كبريتية، ولذلك اعتبر الخبراء أن هذه النوعية من الأرض لا يمكن استصلاحها وزراعتها، ولكن الشيخ زايد تجاهل هذا الرأي، وأمر بعمل حفر في الجبل تبلغ مساحتها 1.5× 1.5 متر، وبعمق متر ونصف المتر أيضاً، وطمر الحفر برمال قابلة للزراعة، ثم أمر بزراعتها. كما أمر بتغيير التربة في المناطق الكبريتية، واستبدالها بأخرى قابلة للزراعة. وكان الشيخ زايد، رحمه الله، يوجه بزراعة الأشجار التي تناسب البيئة في الجزيرة، مثل السدر والسمر والسلم والغاف وغيرها، حتى تعيش عليها الحيوانات الموجودة في الجزيرة».

وأشار الغصين إلى أن الشيخ زايد كان يدعو الشخصيات الرسمية التي تزور الدولة، من رؤساء الدول والملوك، لزيارة «صير بني ياس»، كما استقطبت الجزيرة اهتمام خبراء الزراعة والبيئة، باعتبارها تجربة فريدة من نوعها، فكانوا يزورونها للاطلاع على ما تحقق فيها من إنجاز، وقد زارها وفد من برنامج الأمم المتحدة للبيئة، ودرسوها، واعتمدوها محمية طبيعية.

تنمية متواصلة

محطة أخرى في مسيرة التنمية يستذكرها الغصين، ارتبطت بتكليف الشيخ زايد له بتطوير جزيرة دلما في بداية السبعينات، قبيل إعلان الاتحاد. وكانت الجزيرة وقتها مأهولة بالسكان، فأراد – رحمه الله – أن يؤمّن لأهلها حياة كريمة، ويوفر لهم الخدمات اللازمة من سكن وتعليم وخدمات صحية.

يقول الغصين: «كانت الحياة هناك بسيطة جداً، وأذكر أننا أخذنا بيتاً شعبياً في الجزيرة، وفتحنا فيه دكاناً لنؤمن للسكان السلع الأساسية، مثل الخضار والفاكهة والطحين والسكر والقهوة وغيرها، من خلاله. وقد أمر الشيخ زايد ببناء مدارس ومركز شرطة، وغيرها. وصمم بنفسه مستشفى كبيراً في دلما، بحيث يلحق بكل غرفة حمام خاص، تسهيلاً على المرضى. وحدد للعمل في المشروع فترة سنة ونصف السنة، وبفضل متابعته الدائمة للمشروع تم الانتهاء منه في الوقت المحدد فعلاً. وكان تجهيز المستشفى من حسابه الخاص. وقبل ذلك كان على المرضى من سكان الجزيرة الانتقال بطائرة هليكوبتر لتلقي العلاج في أبوظبي، وكان الأمر يحتاج إلى ما يزيد على خمس ساعات».

وأضاف: «كذلك كانت (السلع) صحراء عندما زرناها مع الشيخ زايد في طائرته. وقد أمر وقتها ببناء مدينة في تلك المنطقة. وكانت البداية بناء 60 بيتاً شعبياً، ومستشفى، ومدارس للبنين والبنات، وسكن للمدرسين، وبنايتين بهما أسواق. ومع الوقت اتسعت المدينة، بعدما اجتذبت المزيد من السكان. ولمواكبة هذه الزيادة أمر الشيخ زايد ببناء 60 بيتاً كل سنة، وتوزيعها على السكان، والأمر نفسه تكرر مع المرفأ في المنطقة الغربية أيضاً، وهي منطقة كان الشيخ زايد يحب زيارتها في شهري نوفمبر وديسمبر للقنص، حيث أعطى، رحمه الله، أوامره ببناء مدينة فيها، وبدأنا بـ20 بيتاً شعبياً، أقام فيها أبناء قبيلة القبيسات، ومع الوقت زاد العدد حتى صارت مدينة كاملة الخدمات، فأمر الشيخ زايد ببناء استراحة له ليقيم فيها عندما يذهب إلى المنطقة الغربية، ليتجول بين مناطقها المختلفة، مثل بدع زايد والسلع وغيرهما. وكان يحرص على مقابلة الأهالي في تلك المناطق، ويستمع إلى مطالبهم، ويأمرنا بتنفيذها في أسرع وقت، فقد كان أباً للجميع».

متابعة حثيثة

وأشار الغصين إلى أن الشيخ زايد كانت لديه القدرة على وضع خطط وأفكار للتنمية في مختلف المجالات، لما كان يمتلكه من خبرة طويلة في الحكم، منذ أن تولى منصب حاكم العين وممثل الحاكم في المنطقة الشرقية، كما استفاد من زياراته لدول مختلفة حول العالم، إذ حرص على متابعة ما فيها من تطور، إلى جانب ما كان يتمتع به من صفات أصيلة في شخصيته.

وأضاف: «كان الشيخ زايد لا يقبل بالإهمال في العمل، وكان شديداً في محاسبة المسؤولين عنه، لذلك صارت أبوظبي ما هي عليه. كما كان يحرص على متابعة العمل بنفسه، وكان يسألني دائماً عن المسؤولين الذين يزورون دلما أو السلع، وكنت أنطلق يوم الأحد من أبوظبي في جولة من دلما إلى صير بني ياس والسلع والمرفأ لأعود إلى أبوظبي يوم الخميس. ويوم الجمعة أقابل الشيخ زايد، وأقدم له تقريراً أسبوعياً عن الأوضاع في تلك المناطق». وأشار إلى أن الشيخ زايد، طيب الله ثراه، كان يحرص على العمل في مشروعات التنمية بوتيرة سريعة، بعيداً عن التعقيدات الإدارية، ضارباً مثالاً على ذلك عندما كان العمل في دلما في بدايته، وكان عليهم سفلتة الطرق ورصفها، فقد زار الشيخ زايد الجزيرة، واستقل سيارته، وأمر بعمل الطريق على أثر السيارة.

وأكد الغصين أنه بادر إلى الاتصال ببلدية أبوظبي لإرسال مهندس إلى الموقع، بهدف وضع علامات على الطريق الذي سارت عليه سيارة الشيخ زايد، قبل أن يختفي أثرها، وقد حضر المهندس فعلاً، ووضع العلامات، لتعمل الشركة وفقاً لها. وقال إن صير بني ياس كانت خالية عندما بدأ العمل فيها، فلم تكن هناك مبان أو بيوت، ولهذا فقد كانوا يقيمون في خيام طوال فترة العمل، وكان الشيخ زايد يقيم في كارافان.


غسان الغصين:

«زايد كان يحرص على مقابلة الأهالي في المناطق التي يزورها، ويستمع إلى مطالبهم، ويأمر بتنفيذها في أسرع وقت ممكن».

««كانت (السلع) صحراء عندما زرناها مع الشيخ زايد في طائرته. وأمر وقتها ببناء مدينة في تلك المنطقة».

اهتمام بالبيئة

ذكر المهندس غسان الغصين أن اهتمام المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، بالبيئة ومكافحة التلوث كان كبيراً، ولذلك اهتم بزراعة الأشجار في كل مكان، بهدف تنقية الهواء. وكان يختار الشجر الذي لا يحتاج إلى الري كثيراً، حتى يناسب البيئة في الإمارات. كما كان يهتم عند تخطيط المدن والأحياء السكنية بإنشاء حدائق ومتنزهات فيها، للترفيه عن السكان، وتحسين البيئة.

لفتة إنسانية

كشف المهندس غسان الغصين أن حظر العمل في وقت الظهيرة طبّق للمرة الأولى في أواخر السبعينات، خلال أعمال تطوير صير بني ياس، إذ كانوا يعملون في أغسطس، وكان الشيخ زايد يتابع العمل من الموقع. ونتيجة لارتفاع درجة الحرارة، أصيب عمال بضربة شمس، وتولى طبيب الشيخ زايد علاجهم. ومنذ ذلك الوقت صدر أمر من الشيخ زايد بأن يبدأ الدوام بعد صلاة الصبح حتى العاشرة صباحاً، ثم يتوقف ليستأنف بعد صلاة العصر حتى صلاة المغرب، وقد طبق القرار على العمال الذين يعملون تحت أشعة الشمس مباشرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى