ليلى.. رحلت مع سر وفاتها
في ركن تحت ظلال شجرة كثيفة الأغصان، تجلس الطفلة ليلى إلى جوار قطتها ذات الشعر الأبيض الكثيف، تناجيها، تداعبها، وتبوح لها بأسرارها، وربما تشكو لها ضيقها.
ترمقها القطة بعينيها الزرقاوين، وتلوح بذيلها، فتصدح ضحكات الصغيرة تمتزج بنسمات تداعب شعرها على استحياء.. تجري بين الحشائش، وخلفها القطة، وفجأة تتوقف.. تطوف بنظراتها في أرجاء المكان.
«أمي فلنعود إلى منزلنا، لا أريد أن نظل هنا».. تحاول الأم أن تستفسر عن سبب ضيقها، فلا تخبرها بشيء واضح – فقط – تكرر طلبها.
■ الاسم: ليلى زخاروف، من أم روسية وأب سوري. ■ العمر: ست سنوات. ■ الزمن: نهاية أبريل الماضي، الساعة 12 ظهراً. ■ المكان: أحد فنادق رأس الخيمة، حيث كانت تقضي ليلى الإجازة مع والدتها وزوج أمها وأخيها الرضيع. ■ الحدث: غرقت ليلى في حمام سباحة.. والسبب مجهول. الفندق: لدينا 10 منقذين وجهت «الإمارات اليوم»، أسئلة إلى الفندق الذي شهد غرق الطفلة ليلى زخاروف، في حمام السباحة، عن موقف الفندق عن الحادث ومعايير السلامة التي يطبقها لتفادي وقوع حالات غرق في المسابح، وعما إذا كان هناك تقصير من جانب الفندق في حماية الطفلة الضحية من الغرق؟ وكانت الإجابة « يوجد في الفندق 10 منقذين، ونتواصل مع الجهات المعنية التي تجري التحقيقات حول الحادث، وسيتم تحديد موقف الفندق بعد انتهائها». |
يتدخل زوج الأم: «عزيزتي، سنعود إلى منزلنا بعد أيام، لكن عليك أن تستمتعي بوقتك»، لكن ليلى لم ترد.. كانت في حوار بالنظرات مع قطتها، قطعه صراخ أخيها الرضيع الذي تأثر من شدة الحرارة.
فشلت الأم في تهدئته، كان يريد أن ترضعه، استعدت الأسرة للدخول إلى الشاليه، لكن ليلى لم تبرح مكانها، استأذنت والدتها في اللعب في الحديقة المقابلة مع طفلة تعرفت عليها داخل الفندق.
«سأعود».. قالتها قبل أن تنطلق الصغيرة، في ما راحت القطة ترمقها حتى غابت عن الأنظار.
الوقت يمر، وليلى لم تعد، أين ذهبت؟ انقبض قلب الأم، خرجت مسرعة تبحث عنها في الحديقة، ليس لها أثر.
ليلى.. ليلى.. ليلى، تصرخ الأم والدموع تسبق خطواتها، زوجها يحاول طمأنتها، بأنهم سيعثرون عليها حتماً.
سألت مراقب حمام السباحة المخصص للكبار: «ألم تمر طفلة ترتدي (مايوه) زهري اللون»، فأجاب بأنه لم يرها، لكن ما لبثت أن استدارت لتواصل بحثها، حتى قفز في حمام السباحة.
التفتت الأم، لا إرادياً، إنها ليلى في قاع الحمام، تصارع الموت، الماء يغمرها بالكامل، حركة يديها الصغيرتين تسارعت مع صرخات الأم، جحظت عيناها، وأبدى جسدها استسلاماً للموت، لكن مراقب الحمام انتشلها في لحظة فارقة.
تحكي الأم هذه اللحظات الأليمة، لـ«الإمارات اليوم»، قائلة: «داخل الفندق حاولت إحدى السائحات إنقاذها، لكن قلب ليلى لم يستجب، وبعدها أحضر ممرض الفندق، جهاز التنفس الاصطناعي، من دون فائدة، ثم حضرت سيارة الإسعاف بعد 45 دقيقة تقريباً، ونقلتها إلى مستشفى صقر الحكومي في رأس الخيمة، وأدخلت العناية المركزة، حيث تبين أن عدم وصول الأكسجين إلى جسدها لمدة 10 دقائق، سبب لها تلفاً في أجزاء عدة بالدماغ- حسب أقوال الأطباء».
بعد 23 يوماً، صعدت روح ليلى إلى السماء، رحلت ومعها سر وفاتها، فمازالت هناك أسئلة عدة تبحث عن إجابة، فمن هي الطفلة التي كانت تلعب معها؟ وكيف سقطت في حمام السباحة ولم يرها المراقب فور سقوطها؟ ولماذا ذهبت إلى هناك؟
زوج الأم قال، لـ «الإمارات اليوم»: «كنت برفقة زوجتي، وابنتها ليلى وطفلي الرضيع، نقضي إجازة قصيرة، في أحد الفنادق في رأس الخيمة، وصلنا إلى الفندق ليلاً، ونزلنا لتناول العشاء، لكن ليلى رفضت الطعام، وشكت من شعورها بالضيق، وتريد العودة إلى المنزل في أسرع وقت».
وأضاف: «صباح اليوم الأول، ذهبنا إلى الشاطئ للاستمتاع بأشعة الشمس، والسباحة في البحر، أمضينا ساعات قليلة، كنا في غاية الفرح، وعند منتصف النهار، بدأ الطفل الرضيع بالبكاء فقررنا العودة إلى الفندق، للاستحمام وتناول الغذاء».
وتابع: «طلبت ليلى البقاء في حديقة الفندق للعب مع طفلة تعرفت عليها، فتركناها بعد أن نبهنا عليها بعدم الذهاب بعيداً، مضت دقائق قليلة حيث انتهت والدتها من إرضاع شقيقها، وخرجنا لكن لم نجدها، فبحثنا عنها في كل مكان في الفندق، ولكن لم نتوقع أنها ستذهب إلى المسبح، لأن المنقذ كان سيمنعها، ولكن ما اعتقدناه كان خطأ كبيراً، فقد سقطت في المسبح المخصص للكبار، الساعة 12 ظهراً، أثناء سيرها بجواره، والمنقذ الذي كان يجلس على كرسيه المقابل للمسبح، لم يشاهدها لحظة سقوطها، لعدم انتباهه».
وواصل: «توفيت ليلى، بسبب الإهمال وعدم انتباه المنقذين في الفندق، ولعدم تلقيها الإسعافات الأولية التي تمكنها من التنفس بشكل طبيعي».
وأكمل زوج الأم: «الطفلة التي كانت تلعب برفقة ليلى، اختفت مع أسرتها عن الفندق، ولا ندري من هي، وأين كانا يلعبان قبل سقوطها في المسبح، تفاصيل كثيرة مازالت غامضة».
الغريب أن الأم أصرت على أن تظل في الفندق والجلوس في المكان نفسه الذي شهد لقاءها الأخير وليلى، كل شيء حولها كما كان في اليوم ذاته، على مقربها منها كانت أيضاً القطة تقبع في ركن وحيدة، تنتظر الغائبة، فقد وعدتها بأنها ستعود.. لكنها لن تعود.