«صغار السوشيال ميديا».. نجوميـــــة تُسلب سنوات الطفولة بـ «إشـــــراف عائلي»
حذر مختصون نفسيون واجتماعيون وتربويون من أن «الأطفال مشاهير التواصل الاجتماعي» يتعمدون التصرف بطرق تظهرهم أكثر جرأة مما هم عليه في الواقع، أملاً في حصد مزيد من الشهرة، لافتين إلى أن «ذلك يكلف كثيرين منهم خصوصية مرحلتهم الطفولية، ويفقدهم تلقائيتهم، ويحولهم إلى كائنات متصنعة في كل ما يبدر عنها من تصرفات، فضلاً عن فقدانهم الشعور بالمسؤولية تجاه ما يخصهم، وقد يؤثر سلباً في تحصيلهم التعليمي».
وطالبوا الأهالي بعدم دفع أبنائهم إلى دخول هذا العالم، عبر الضغط المستمر عليهم أملاً في زيادة عدد متابعيهم، في حين قال نائب رئيس شبكة الشارقة لحماية الطفولة، المحامي إبراهيم الحوسني، إن «عقوبة استغلال الأطفال عبر وسائل التواصل الاجتماعي لأغراض معينة، بما فيها الشهرة، تصل إلى مليون درهم، إضافة إلى السجن».
في المقابل، نفى آباء أطفال مشاهير على قنوات التواصل الاجتماعي، أن يكون هدفهم من إقحام أطفالهم في هذا العالم هو الربح المالي، وقالوا إنهم يسعون إلى نشر رسائل مجتمعية تطوعية وتثقيفية، تسهم في تنمية المجتمع حضارياً.
قالت المستشارة النفسية والأسرية في مركز همسة للاستشارات النفسية، في دبي، الدكتورة هيام أبومشعل، إن سعي الأهل لجعل أطفالهم نجوماً على وسائل التواصل الاجتماعي لحصد أعداد كبيرة من المتابعين، أمر له تأثير سلبي في الطفل نفسياً واجتماعياً، إذ يحد من حريته، ويعلمه التصنع في سلوكه وتعامله مع الآخرين، ويفقده الطبيعة الفطرية للأطفال، أي التلقائية في التصرف والحركة والكلام.
وشرحت أبومشعل أن لكل مرحلة من مراحل نمو الطفل خصوصية تمثل السمة الغالبة لشخصيته، ما يعني أن يعيش مرحلته العمرية بما فيها من بساطة وتلقائية، وأن يعيش يومه بالطريقة التي يرغب فيها هو، لا التي يريدها الآخرون، مطالبة الآباء باحترام خصوصية الطفل، وعدم إقحامه في عالم التواصل الاجتماعي، والضغط عليه كما لو كان مجرد وسيلة لتحقيق أهداف لا تعنيه.
وأضافت: «لا مانع من أن يعرض الأطفال مواهبهم ويتلقوا الإطراء من الآخرين. لكن المهم ألا يحرم الطفل من طفولته الحقيقية، لأن الخوف يكمن في تنشئته في أجواء الشهرة، التي قد تخبو أضواؤها فجأة، ما يؤثر في نفسيته سلباً، لأنه نشأ على كونه طفلاً غير عادي بين أقرانه».
وبينت أبومشعل أن بعض الآباء يدخلون أطفالهم إلى عالم الشهرة عبر بوابات عدة، منها الغناء والتصوير ونشر اليوميات والاستعراض والأزياء.
ورأت أن «الأسلم أن يمارس الطفل مواهبه ضمن إطارٍ محدد، كون الشهرة تمنحه ثقة بنفسه ذات مردود غير إيجابي»، لافتة إلى أن «شعوره بأنه مشهور يؤثر سلباً في مساره التعليمي، إذ يقتل لديه الجدية والدافعية للتعلم والتفوق في الدراسة؛ لأن الشهرة تصيبه بالغرور والكسل، وقد يصبح غير مسؤول وغير مبالٍ، ولا يعود التعلم أمراً مهماً بالنسبة له، وقد يؤثر ذلك في الإناث مستقبلاً بصورة أكبر مما يتعرض له الذكور، إذ تتعالى أصواتهن مطالبة بمساحات أكبر من الحرية بشكلٍ يخالف ضوابط المجتمع، لاسيما خلال فترة المراهقة، ما يشكل أزمة للوالدين».
واعتبرت أن «السمة الغالبة على نجوم التواصل الاجتماعي من الأطفال، أنهم يتطبعون بمنهج حياة أكثر انفتاحاً مما هو معتاد، وعندما يتشبعون بالشهرة والإعلام يطالبون بأفق لا حد له من الحرية»، مضيفة أن «تأثير الشهرة في الطفل لا يقتصر على جانب دون آخر، بل هو يلامس تفاصيل حياته بالكامل، ويظهر ذلك بجلاء في اختياره أصدقاءه، إذ يحرص على أن يكونوا من طبقة مساوية له أو أعلى من طبقته».
قانون «وديمة»
خصوصية الطفل تنص المادة (5) من قانون حقوق الطفل «وديمة» الذي أصدره رئيس الدولة عام 2016، على احترام خصوصية الطفل وفقاً للنظام العام والآداب العامة، فيما نصت المادة (33) على عدم استغلال الطفل بأي شكلٍ من الأشكال، ومن ذلك تعريضه للتسوّل أو استغلاله اقتصادياً. مريم علي الحمادي: • «نجاح أطفال في وسائل التواصل الاجتماعي فتح الباب أمام مزيد من الأسر لإدخال أطفالها هذا العالم». |
قال نائب رئيس شبكة الشارقة لحماية الطفولة، المحامي إبراهيم الحوسني، إن الطفل الذي يقل عمره عن سبعة أعوام فاقد الأهلية والتمييز، وليس لديه القدرة على قبول أو رفض أي أمر، وقد أوجد قانون «وديمة» لحماية الطفل قوانين تحميه مما يؤثر سلباً في نفسيته، خصوصاً تصويره في وضعيات محددة، موضحاً أنه في حال تأثر الطفل نفسياً أو اجتماعياً أو أخلاقياً بسبب استغلال شخص ما له، من خلال تصويره في مواقع التواصل الاجتماعي، فإن القانون يتدخل لإيقاف المُستغِل، حتى لو كان أحد أفراد أسرته أو أحد والديه.
وأكمل: «إذا كان عمر الطفل فوق سبعة أعوام فإنه يكون ناقص الأهلية، لكنه مُميِّز. يحق له الاختيار أو الرفض أو الموافقة على تصويره ونشر الصور ومقاطع الفيديو الخاصة به في مواقع التواصل الاجتماعي، وفي حال رفض التصوير فإنه لا يحق لأحد، حتى والديه، تصويره بغرض النشر، حتى إن لم يكن التصوير مسيئاً له، أما في حال وافق على تصويره في مشهد مسيء فإن القانون يتدخل لوقف هذا الأمر». وأوضح الحوسني أن «هناك من يستغل الأطفال عبر وسائل التواصل الاجتماعي لأغراض معينة، منها الشهرة، عبر إظهار الأطفال بصورٍ أو مقاطع فيديو كوميدية أو ساخرة، وهذه سلوكيات منافية لقوانين الدولة، وعقوبتها تبدأ من 5000 درهم وتصل إلى مليون درهم، إضافة إلى عقوبة السجن».
وأكدت الأخصائية الاجتماعية، مريم علي الحمادي، أن نجاح تجربة بعض الأطفال في مجال الشهرة والمال عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي، فتح الأبواب أمام مزيد من الأسر لإدخال أطفالها هذا العالم، مضيفة أن «شهرة الأطفال ليست خطأً في حد ذاتها، إلا أنها تحرمهم عيش مراحل طفولتهم بالطريقة التي يرغبون فيها».
أمّا رئيسة وحدة شؤون الطلبة في مدرسة الصحوة النموذجية للبنات، بالشارقة، مهرة خميس الراشدي، فرأت أن أثر «ظاهرة الأطفال المشاهير» عبر وسائل التواصل الاجتماعي غير محدد، فقد تزيد الطفل ثقة بنفسه، وقد تؤدي إلى تدني مستواه التعليمي، لافتة إلى ضرورة مراقبة سلوك الطفل لمساعدته على التحكم في تصرفاته، واختيار القرارات الصائبة، وتالياً توجيهه لما فيه مصلحته.
3.6 ملايين متابع
ذكرت والدة الطفلة المشهورة على الـ«سوشيال ميديا»، المواطنة غلا الجسمي، أن لدى طفلتها، البالغة خمسة أعوام ونصف العام، ما يزيد على ثلاثة ملايين و600 ألف متابع على حسابها في تطبيق «إنستغرام».
وقالت: «دخلت غلا عالم التواصل الاجتماعي بالمصادفة، عبر مقاطع فيديو تتعلق بحياتها اليومية وسلوكياتها في المنزل مع والديها وأخوتها كنا نرسلها لمجموعات العائلة عبر تطبيق (واتس آب)، لكننا فوجئنا بالمقاطع تأخذ انتشاراً كبيراً وتحقق صدى واسعاً لدى الحسابات التي تُنشر فيها بـ(إنستغرام)، ما شجعنا على عمل حساب خاص لها، وإدخالها إلى عالم الـ(سوشيال ميديا) قبل نحو عام، ولاحظنا تقبل الناس وحبهم لها، بسبب تلقائية سلوكها في المقاطع التي تتضمن يومياتها داخل البيت، وأحرص أنا ووالد غلا، على ألا يشكل هذا أي ضغط عليها، فهي لا تكون مستعدة لتصوير أي مشهد، بل يصورها والدها من دون علمها».
وأضافت: «نرفض استغلال غلا في مجال الإعلانات بغرض الربح المالي. وقد رفضنا فعلاً عروضاً من هذا النوع، أما مشاركتها فتقتصر على أنشطة تطوعية تخدم المجتمع وتسهم في تنمية شخصيتها، كما أننا لا ننشر لها إلا فيديو واحداً كل أسبوعين عبر حسابها الخاص الذي تديره أختها الكبرى، بإشراف من والدها».
وحول شهرة الأطفال في وسائل التواصل الاجتماعي، قالت «أم غلا» إن الشهرة قد تسهم في زيادة ثقة الطفل بنفسه شرط ألا تزيد على حدها، أمّا إذا كان هدفها الربح المالي فستشكل عبئاً نفسياً على الطفل، كونه يشعر بأن جميع حركاته وتصرفاته محاصرة بالتصوير.
سفيراً للإيجابية
وقالت والدة أحد أبرز مشاهير الـ«سوشيال ميديا» من الأطفال، ظاهر المهيري، البالغ 13 عاماً، وهو من أصحاب الهمم (مصاب بحالة مرضية تعرف طبياً بـ«الشلل الدماغي»)، إنها وزوجها حرصا على زرع الأمل والتفاؤل في نفس ظاهر منذ سنواته الأولى.
وأضافت أن «ظاهر أصبح، وفقاً لمتابعي صفحته الذين يزيد عددهم على 173 ألف شخص على (إنستغرام)، سفيراً للإيجابية بالنسبة لنظرائه من ذوي الإعاقة والأصحاء معا، لافتة إلى أنه حمل على عاتقه رسالة نبيلة لأصحاب الهمم مضمونها أن هذه الفئة جديرة بالتقدير لا الشفقة كما يعتقد البعض، كونها فئة قادرة على التفوق في مجالات عدة».
وأكدت أن هدفها وزوجها من دخول ابنهما إلى عالم التواصل الاجتماعي ليس الشهرة والربح المالي، بل دمجه في المجتمع، لافتة إلى أن ابنها أصبح متفاعلاً مع مجتمعه وكسر حاجز الخجل، حيث يلقي محاضرات في الكليات والمعارض والفعاليات المختلفة. كما يستعد حالياً لإصدار كتاب بهذا الشأن.