بالفيديو..عبدالله الشامسي: زايــــد كان قادراًعـلـى تحقـيــق مـا يـظــنـه الآخرون مستحيلاً
<
عمل المواطن عبدالله خلفان الشامسي (75 عاماً) «مقهوي» خاصاً للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، فترة طويلة من حياته، فقد بدأ العمل في قصر «بيت قصيدة» في منطقة المويجعي، بالعين، عام 1959، واستمر عمله لمدة 45 عاماً، كان حريصاً خلالها على تقديم القهوة التي يؤثر مذاقها الشيخ زايد، رحمه الله، خصوصاً تلك الممزوجة بالزعفران، أو المجهزة بالحليب.
قهوة «النوه»
شرح عبدالله الشامسي الطريقة التي كان يتبعها في صنع القهوة للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، قائلاً إن المرحلة الأولى في إعدادها كانت تتمثل في تنقية القهوة (البن) بشكل جيد، ثم وضعه في التاوه (الصاج) إلى أن تخرج القشرة من حبة القهوة، ثم يضعها في المنسف، وبعدها تحمس إلى أن تبرد، ثم يحضر المنحاز (الهاون)، ويدق القهوة فيه بشكل جيد، قبل وضعها في دلة (الخمرة) مع الماء، بعدها يضعها في دلة (الزل) أو (المزلايه)، ثم يصبها في الدلة الثالثة، التي تكون فيها القهوة جاهزة، ويضعها على نار خفيفة كي لا تبرد، ثم يصبها في الدلة الرابعة، التي تذهب إلى الشيخ زايد وضيوفه. وأضاف: «كان، رحمه الله، يشرب الحليب الطازج مع الحلبة، أو الزعتر، أو الزنجبيل، أو العسل، الذي كان يجلب من الجبل الأخضر في عمان، وكنا نجهز الأغراض في الليل، ونعد القهوة والحليب بعد صلاة الفجر، وكنت دقيقاً جداً في إعدادهما للشيخ زايد». – «أول قصر عملت فيه (بيت قصيدة) ثم (حارة المطاوعة) الذي أصبح (متحف العين)». – «كان الشيخ زايد لا يحب القهوة إلا من يدي ولم يحب الهيل أو أي إضافات غير طبيعية». عبدالله الشامسي المقهوي: «أطلق الجميع عليّ لقب (النوه) بسبب سرعتي البالغة في تلبية نداء الشيخ زايد وطلباته». |
ويروي الشامسي لـ«الإمارات اليوم» تفاصيل من رحلته الطويلة مع مؤسس دولة الإمارات وباني نهضتها، مستعيداً تفاصيل ومشاهدات ومواقف لا تنسى عاشها معه، أو كان شاهد عيان عليها، بحكم وجوده قريباً منه. وقد أكد أن الراحل الكبير كان قادراً على رؤية ما يظنه الآخرون غير قابل للتحقق، لافتاً إلى أن الشيخ زايد لم يترك شيئاً للمصادفات، بل عمل بجهده كله من أجل شعبه ووطنه وأمته.
يقول: «عملي بجوار الشيخ زايد كان أكبر مصدر للفخر حصلت عليه في حياتي كلها، وهو الشعور الذي لايزال يرافقني إلى اليوم. ومازلت أتذكر كيف بدأت الحكاية، فقد جاء شخص اسمه (غريب)، وقال إن الشيخ زايد يريد (مقهويين) للعمل لديه، فذهبت مع مجموعة من الأشخاص. كنا نتسابق للفوز بهذا الشرف الكبير، فجهزت القهوة مع مجموعة أخرى من الأشخاص، بعد قلي البن وتحميصه، وصببتها في دلة صفراء اللون، وقديمة، ثم توجهنا إلى قصر (بيت قصيدة) في منطقة المويجعي بالعين. وبتوفيق من الله نلت شرف خدمة الشيخ زايد، وأصبحت المقهوي الخاص له، بعدما أعجب بقهوتي بشكل كبير. كان راتبي يصل إلى 30 روبية هندية، وبعدها، أصبحت متفنناً في صنع قهوة الشيخ زايد، وأطلق عليَّ الجميع لقب (النوه)، بسبب سرعتي البالغة في تلبية النداء الشيخ زايد وطلباته».
وأضاف: «أول قصر عملت فيه هو قصر (بيت قصيدة)، ثم قصر (حارة المطاوعة)، الذي يسمى حالياً قصر (متحف العين)، ثم قصر (المقام) في العين، وتبع ذلك العمل في قصور (الخزنة) و(الجرف) و(الحصن) و(البحر) في أبوظبي. وكان الشيخ زايد لا يحب شرب القهوة إلا من يدي، ولم يكن يحب الهيل أو أي إضافات أخرى إلا من الأشياء الطبيعية فقط، إذ كان يأكل العسل الأصلي الذي يُجلب من الجبال، ويكون من السمر أو السدر، ويشرب الحليب الطازج من الأبقار المحلية فقط، والقهوة التي كان يحبها، طيب الله ثراه، تكون بالزعفران وماء الورد الأصليين، ولا يتم تثقيل القهوة، أو تخفيفها، إذ تعد على فحم شجر السمر فقط، الذي يُشعل حطبه ويدفن ليكون فحماً قبل استخدامه في إعداد القهوة. وبالنسبة لوجودنا في القصور التي سيكون الشيوخ موجودين فيها، فقد كانت الأوامر تأتينا في الليل، لتحدد لنا القصر الذي سنتجه إليه، وكان هناك سائق، يدعى أحمد علي الحارثي، ينقلنا في سيارة (لاند روفر)، كانت تعمل (بالهندل)».
وقال الشامسي إنه يحتفظ بنسخة من دلة الشيخ زايد، التي كان يشرب بها القهوة «أما الدلة الأصلية، فتوجد في متحف قصر العين»، مضيفاً: «هي عزيزة عليّ، لأنها مرتبطة بشخصية عزيزة على نفسي ونفوس الإماراتيين والعرب. شخصية تنصف المظلوم، وتغيث المحتاج، وتبادر إلى عمل الخير».
وتابع: «هناك أشياء لا تعني الكثير بالنسبة للآخرين عندما ينظرون إليها، وقد لا يرون فيها سوى بساطتها أو قدمها، لأنهم لا يعرفون ما صنعته أو أسهمت في صنعه من الذكريات، ولا يعرفون أي نوع من الأشخاص أولئك الذين ارتبطوا بها. وبالنسبة إليّ، فمجرد النظر إلى دلة الشيخ زايد يحيي في ذاكرتي أحداثاً ومواقف عظيمة كان لي شرف معايشتها، ولا يمكنني طيها أو نسيانها، مهما مر عليها من وقت».
وذكر الشامسي أن الشخص الذي يصنع الدلال الخاصة بالشيوخ مستمر في صناعتها.
واستعاد بعض المواقف الطريفة التي مر بها مع الشيخ زايد، رحمه الله، قائلاً إنه «توجه ذات يوم إلى مدينة العين، بسيارة من نوع (جيب لاند روفر)، ولما وصل، خاف البدو من السيارة، وظنوها كائناً حياً، فأحضروا لها الماء والطعام».
ويتذكر الشامسي أنه رأى الشيخ زايد وهو يخطط أول دوار في العين بعصاه على صفحة الرمال، بالقرب من قصر «بيت قصيدة» (مكان جسر الديوان حالياً). وأنه سمعه يقول: «من هنا سيتجه الطريق إلى أبوظبي ودبي والسعودية وعمان. وسأنشئ مساكن للمواطنين قرب الدوار، ستتولى الشركات بناءها».
ويعلّق الشامسي على ذلك، قائلاً إن «هذا الأمر كان قبل قيام الاتحاد»، لافتا إلى أن «ما كان الشيخ زايد قادراً على رؤيته لم يكن الآخرون يصدقون أنه قابل للتحقق».
وأضاف: «كانت له نظرة مستقبلية مختلفة في بناء الدولة لم نتوقعها نهائياً، إذ لم يتوقع أحد منا أن هذه الصحارى والكثبان الرملية ستكون مزارع وواحات خضراء نابضة بالعمران، ولم نتوقع صرف مساكن لنا مجاناً، وأن يدرس أبناؤنا في المدارس والجامعات، ويتلقوا التعليم ليبنوا هذه الدولة، ولم نتوقع أننا ننام وأبواب مساكننا مفتوحة، ناعمين بالأمن والأمان. ولم نتوقع أن الدولة ستكون في مصاف الدول العالمية، لم يتوقع أحد هذه الأمور نهائياً. لكن الشيخ زايد كانت له نظرة مختلفة، إذ لم تخرج كلمة من لسانه إلا تم تنفيذها».
ويؤكد الشامسي أن الشيخ زايد كان حكيم العرب فعلاً. كان قائداً من نوع فريد، يتغلب على الصعاب مهما بدا التحدي شاقاً، ويحقق المستحيل. كما كان – رحمه الله – قريباً من شعبه، يستمع لهم بشكل دائم، ويلبي احتياجاتهم. وقد تميز بتواضع مع الجميع، وهي إحدى الصفات العظيمة التي ورثها عنه أبناؤه.
وتابع أن زايد كان يجمع الصغار حوله، ويردد عليهم أن العلم هو الذي سينفعهم ويرفعهم، وهو الذي سيوصلهم إلى أماكن لا يدركونها، فالعلم نور. وكان، رحمه الله، يقول لهم: «يا عيالي، المعلم في المدارس إذا كان شديداً معكم فهذا لمصلحتكم ومصلحة الدولة، فالعلم نور، وعلينا أن نتعلم حتى نصل إلى محل لم نصل إليه من قبل»، وبعدها قال لهم:
لولا المُعَلِّمُ كان الناسُ كلُهُمُ
شبه البهائمِ لا علمٌ ولا أدبُ
وأشار الشامسي إلى أن «صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، كانا ملازمين للشيخ زايد بن سلطان، ولا يفارقانه، لأنه كان المدرسة والقدوة بالنسبة للجميع. وكان سموهما يشبهانه بشكل كبير في أفعاله وحكمته ونظرته وتواضعه. وقد حضرت مناسبات كثيرة كان سموهما يتصرفان فيها بتواضع ومحبة غامرين مع الناس. وأتذكر أن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد كان يجوب حارة المطاوعة في العين، وهو صغير السن، حتى يطمئن إلى أحوال الأهالي، والتأكد من أنهم لا يحتاجون إلى أي شيء، ولا يعانون أي نقص.