معلمون يعملون وسطاء وطهـاة و«مزينين»
كشف معلمون في مدارس خاصة عن مزاولتهم مهناً أخرى لا تتناسب مع قيمة رسالتهم التربوية «بارتايم»، مثل «وسطاء عقاريون وطهاة ومزينون (كوافير) للنساء»، عقب الدوام الرسمي في مدارسهم، لتحسين دخلهم ومواجهة أعباء الحياة المتزايدة، فيما أكد وكيل عام وزارة التربية والتعليم، علي ميحد السويدي، أن المعلم الذي يزاول مهنة أخرى يرتكب مخالفة قانونية، خصوصاً أن قانون العمل في الدولة يمنع الجمع بين عملين، ووافقه في الرأي مدير العمليات المدرسية في مجلس أبوظبي للتعليم، محمد سالم الظاهري، مؤكداً رفض المجلس جمع المعلم بين مهنتين.
وتفصيلاً، قال معلم التربية الرياضية، هشام عمر، إن راتبه الشهري 2000 درهم، ويسكن في سكن مشترك بـ900 درهم، ولديه التزامات أسرية في موطنه، إضافة إلى احتياجاته الشخصية من مأكل وملبس ومصروفات أخرى. وأضاف: لجأت للعمل وسيط عقارات بعد ان علمت أن العديد من المعلمين يعملون في مهن أخرى بعد الدوام الدراسي، خصوصاً معلمي التخصصات التي لا يوجد بها دروس خصوصية، مشيراً إلى أن العمل وسيط عقارات بسيط ولا يتطلب الوجود في مكان أو وقت معين، وكل ما افعله هو الاتفاق مع أصحاب المنشآت، ونشر إعلانات عن الشقق أو البنايات.
وتابع أن 90٪ من التعاملات تتم بالتليفون، والمقابلات عند المشاهدة أو الاتفاق وتحرير العقود، لذلك لا يوجد أي تعارض بين مهنتي معلماً، ومهنة الوساطة العقارية، خصوصاً أن دخلها مجزٍ، وعمولة المكان الواحد تتعدى راتبي الشهري، لافتاً إلى أنه يعمل وسيطاً في ما يقرب من ستة إلى ثمانية أماكن شهرياً».
تراجع مستوى التعليم وصف عشرات المعلمين نظام العمل في معظم المدارس الخاصة بأنه «خدمة إجبارية»، مؤكدين تضررهم من إداراتها التي تستنفد جهودهم من دون مقابل مالي أو حتى أكاديمي، فضلاً عن توقيعهم استقالات من دون تاريخ عند التعاقد، ما يؤدي إلى خفض مستواهم المهني، وتالياً الإضــرار بالطلبة أنفسهم وتراجع مستوى العملية التعليمية في المدارس التي يعملون بها. وشدد المعلمون على ضرورة تحديد حد أدنى للأجور يتماشى مع غلاء المعيشة، وارتفاع كلفة الحياة للنهوض بالعملية التعليمية، ومساعدة المعلمين على التفرغ لتطوير أنفسهم ورفع مستواهم، موضحين أن أجور المعلمين لها ارتباط واضح بجودة التعليم في المدارس الخاصة. |
طاهية
وذكرت معلمة رياض أطفال، أمل صادق، «دوامي ينتهي الثالثة عصراً، وزوجي يعود من العمل التاسعة مساءً، لذلك فكرت في العمل فترة مسائية، لشغل الوقت، وزيادة الدخل في الوقت نفسه، خصوصاً أنني وزوجي في بداية الحياة وراتبنا لا نستطيع الادخار منه».
وأضافت «زوجي رفض فكرة عملي المسائية، إضافة إلى أن القانون يمنع ذلك، ومن الممكن ان أفصل من المدرسة لو اكتشف الأمر، لذلك فكرت في العمل طاهية داخل المنزل، وتوصلت لفكرة إعداد الطعام، وتجهيزة للأسر والموظفات».
وأوضحت أنها عرضت الفكرة على أمهات بعض الطلبة لديها، فاستحسنوها، خصوصاً أنهن جميعاً عاملات، مشيرة إلى أنها تزاول هذا العمل منذ ما يزيد على العام، وأصبح لها عشرات الزبائن من ذوي الطلبة ومعارفهم، لأنها ماهرة في إعداد الأطعمة».
وأوضحت أنها تتقاضى 25 درهماً على كل نوع طعام تعده، بجانب سعر المنتج نفسه، ليكون جاهزاً لدخول الفرن أو الوضع على النار فقط.
بائع هواتف
وأفاد المعلم، بسام ناصر، بأنه يعمل بعد الدوام المدرسي في محل بيع هواتف متحركة، يمتلكه قريب له، ليحسن دخله، خصوصاً انه يتقاضى راتباً من المدرسة قدره 3000 درهم، ولديه زوجة وطفلان. وأكد ناصر أن دخله من العمل المسائي يتساوى مع راتب المدرسة، لذلك فهو لا يفكر في ترك هذه الوظيفة، وفي حال تعارضها مع عمله معلماً سيستقيل ويزاول مهنة البائع طوال اليوم.
«كوافيرة»
وقالت معلمة، (فضلت عدم ذكر اسمها)، إن زميلة لها في المدرسة تعمل في تزيين النساء بمنازلهن، مقابل أجر أقل بكثير من أسعار مراكز التجميل، مشيرة إلى ان معظم معلمات المدرسة يتعاملن معها لمهارتها، وتقاضيها مقابلاً مالياً منخفضاً، مقارنة بأسعار مراكز التجميل.
وأكدت أن هذه المعلمة، التي رفضت الحديث مع «الإمارات اليوم» أصبح الآن لديها عشرات الزبائن، سواء من المعلمات أو أمهات الطالبات، خصوصاً المقيمات، من أصحاب الدخول المتوسطة، وأن زبونة لديها عرضت عليها الاستقالة من المدرسة، ومشاركتها في مركز تجميل بنسبة مقابل العمل والإدارة، وأنها تفكر في الأمر حالياً.
موارد المدرسة
أكد مدير مدرسة النهضة الوطنية الخاصة، عدنان عباس، أن راتب المعلم يتحدد بناء على موارد المدرسة، وإجمالي دخلها، فالمدارس ذات الرسوم المرتفعة تدفع راتباً جيداً وتوفر سكناً للمعلم، على عكس المدارس ذات الرسوم المتوسطة التي من الممكن ان توفر راتباً جيداً فقط دون سكن، أو المدارس ذات الرسوم القليلة، التي لا تتمكن حتى من توفير الراتب اللائق بالمعلم.
وأشار إلى أن امتلاك المدارس مصادر دخل جيدة يساعدها على توفير المعلمين الاكفاء ذوي الخبرة والمهارات العليا في العملية التعليمية، لأن هذه الشريحة من المعلمين يكون لها طلبات ومميزات لتنضم إلى الكادر التعليمي في المدرسة.
وأكد عدنان أن دخل المدرسة يعتمد في الاساس على قيمة الرسوم المدرسية، التي يوجد قيود على تحديدها، والمدارس ليس باستطاعتها تحديد رسومها بشكل مطلق، لكنها تخضع لاشتراطات وموافقة الجهات التعليمية المسؤولة، سواء وزارة التربية والتعليم أو مجلس أبوظبي للتعليم، وهذه الزيادة لها ضوابط وشروط وليس سهلاً اقرار الزيادة، بالإضافة إلى أنها لا تتم كل عام، مشدداً على أن تطوير التعليم ورفع رواتب المعلمين يحتاجان إلى مصادر دخل مرتفعة، والتعليم الخاص لن يتطور من دون توفير هذه المصادر.
وأوضح انه لا يستطيع تحديد حد أدنى لرواتب المعلمين، لأن ذلك يتوقف على ظروف كل مدرسة، ويجب لتحديد هذا الحد أن تشارك جهات عدة في هذا القرار، مثل وزارة الاقتصاد، والعمل، والتربية، لدراسة الموضوع من كل جوانبه.
وعزت مديرة مدرسة خاصة، (فضلت عدم ذكر اسمها)، ضعف رواتب المعلمات لديها إلى ضعف الرسوم، مشيرة إلى أن ذوي طلبة يرفضون أي زيادة في الرسوم غير مرتبطة بتطوير مستوى التعليم الذي يُقدم لأبنائهم، ويتقدمون بشكاوى للمجلس لمنع هذه الزيادة، وبالتالي لا نستطيع رفع رواتب المعلمين بالقدر الذي يتمنونه.
وأكملت «المشكلة لها وجه آخر، وهي أن المعلم يقبل العمل براتب ضعيف لأنه يعتمد على الدروس الخصوصية، ويعتبر المدرسة وسيلته للتعرف إلى الطلبة وذويهم، ومكاناً يستطيع الانتشار من خلاله»، مشيرة إلى أن أكثر من 90٪ من المعلمين يعملون بالدروس الخصوصية.
وتابعت: «لا فرق بين عمل المعلم في الدروس الخصوصية عقب الدوام المدرسي، وبين عمله في مكان آخر، لأنه في الحالتين يخالف القانون، لافتة إلى أن المدرسة لا تستطيع معاقبة أي معلم يشاع عنه مزاولة عمل إضافي دون أن يكون لديها دليل واضح، وهو ما يصعب إثباته»
وأوضحت أنها حاولت التفتيش على المعلمين لمعرفة من يزاولون مهنة الدروس الخصوصية فلم تستطع الوصول لأي مدرس، رغم تأكدها أن العديد منهم يعطي الطلبة دروساً منزلية بأجر، بسبب انكار جميع الطلبة هذا الأمر وشهادتهم في مصلحة المعلمين.
وأوضح وكيل عام وزارة التربية والتعليم، علي ميحد السويدي، أن المعلم الذي يزاول مهنة أخرى بجانب مهنة المعلم، يرتكب مخالفة قانونية، خصوصاً ان قانون العمل يمنع الجمع بين مهنتين، إضافة إلى أن شروط التعاقد مع المعلم بها شرط التفرغ للتدريس. وأشار السويدي إلى أن نظم إدارة التعليم الخاص تعتمد على العلاقة القانونية بين المؤسسة والأفراد، سواء كانوا معلمين أو إداريين أو طلاباً، إذ تضع المدرسة شروطاً وعلى المتعاملين الموافقة عليها أو رفضها، وتالياً فالعقد المبرم بين طرفي العلاقة شريعة المتعاقدين.
وأكد مدير العمليات المدرسية في مجلس أبوظبي للتعليم، محمد سالم الظاهري، رفض المجلس جمع المعلم بين مهنتين، خصوصاً أن القانون يجرم ذلك.
وذكر مدير قطاع المدارس الخاصة في مجلس أبوظبي للتعليم، المهندس حمد الظاهري، ان المجلس لا يملك إلزام المدارس براتب معين للمعلمين، مشيراً إلى أن العمل في القطاع الخاص يعتمد على العرض والطلب، وقطاع المدارس الخاصة كبقية القطاعات الطبية والهندسية، وغيرهما، والتي لا يوجد بها حد أدنى لرواتب الأطباء أو المهندسين.
Comments are closed.