الردع والعقاب..وروح القانون

الغاية من تطبيق القانون هي ردع الجاني، ومنعه من ارتكاب جرائم أخرى، أو انتهاك القانون بأي شكل من الأشكال.

وفي حالات كثيرة، يصدر القاضي حكماً بمعاقبة متهم بالحبس شهراً، على سبيل المثال، ومعاقبة متهم آخر بالحبس ثلاث سنوات، رغم أن كليهما ارتكب الجريمة ذاتها، ما يثير علامات استفهام عدة حول السبب، وهل القانون يختلف من حالة لأخرى، وما معايير حكم مخفف وآخر مشدد على مجرمين ارتكبا جريمة واحدة؟

والإجابة ببساطة أنه بالرغم من أنه نص

قاطع الدلالة في ما يتعلق بالعقاب، إلا أنه راعى الظروف التي تزامنت مع ملابسات ارتكاب الجريمة، وحالة الجاني حين وقوعها، ووضع عذراً أو مبرراً، سواء لتخفيف العقوبة أو تطبيق حدها الأقصى، وينظر القاضي في تلك الظروف والمبررات، ويصدر حكمه بالعقوبة التي يرى في تطبيقها ما يكفي لمعاقبة الجاني عما اقترفه من جرم، وردعه حتى لا يعاود ارتكابها مرة أخرى.

وهناك ما يعرف بمبدأ إعمال روح القانون، الذي يتيح عدم التشدد مع الجاني وفق ما يقتضيه النص، حتى لا يتحول القانون إلى أداة لتوقيع العقاب فقط، دون النظر إلى دافعه وراء ارتكاب الجريمة، لأن إصدار حكم على هذا الأساس، لا يساعد المتهم في حياته بعد تنفيذ الحكم.

ومبدأ روح القانون أو المساعدة في إطار القانون عام لا يقف تطبيقه عند حد شخص أو وظيفة أو مهنة، وإعماله يؤدي إلى التراحم والتكافل، الذي يقود في النهاية إلى سعادة فرد، ربما تورط لظروف خارجة عن إرادته، وربما كذلك في مساعدة أسرته وإعادة تأهيله ودمجه في المجتمع مرة أخرى.

ويستخدم فقهاء القانون عادة عبارة «روح القانون» كعبارة مقابلة «لنص القانون». وأول من استحدث هذه العبارة هو الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو في عام 1748م، وكتب عن ضرورة كتابة الدساتير بشكل عادل وواضح، وناقش بالتفصيل مبدأ فصل السلطات، وضرورة الفصل بين السلطة التشريعية المسؤولة عن سن القوانين؛ والسلطة القضائية المسؤولة عن تطبيق القوانين؛ والسلطة التنفيذية التي مهمتها إنفاذ أحكام السلطة القضائية. ولكن الأهم في كتاباته هو توضيح أن القوانين تستند دائماً للواقع المجتمعي وليس العكس. فالقوانين لا تشكل المجتمعات، بل إنها تنشأ من حاجة هذه المجتمعات لها.

ولا تستثنى من ذلك القوانين الشرعية، إذ إن الفقهاء مجمعون على أن للشريعة مقاصد، هي بمثابة روح التشريع، وعلى ضوئها تطبق الشريعة، ومن أهمها مبدأ التيسير أخذًا بقول المولى جل وعلا: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}. كما أن هناك أموراً كثيرة مستمدة من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، منها على سبيل المثال قوله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار». وكذلك سيرة الخلفاء الراشدين، مثل موقف عمر من قضية اتهام المغيرة بن شعبة بالزنا، أو قضية علي رضي الله عنه مع اليهودي الذي سرق درعه.

Comments are closed.