الخاتمة: حق إماراتي مثبت وادعاء إيراني بلا سند
خريطة يعود تاريخها إلى عام 1625 ويظهر فيها الخليج باسم «الخليج العربي». بعد بلوغ هذه الدراسة منتهاها عرضاً وتحليلاً ومقارنةً، استبان لنا كيف أن السيادة لا تقوم على الدعاوى ولا تتحقق بالأماني ولا العواطف، وإنما تستند على أسس متينة من الحق القانوني الظاهر، والحيازة الفعلية الواضحة. ولذلك فإنه حقيق بنا العودة لتقليب بعض صفحاتها من جديد، فلربما أمكننا بلوغ نتائجها والخروج ببعض الرؤى والمقترحات التي نأمل أن تُشكل إسهاماً متواضعاً للباحثين والمهتمين في تتبع النزاع على الجزر الثلاث، والتعرف إلى القواعد والمبادئ القانونية الدولية القابلة للتطبيق عليه.
أولاً: النتائج 1- ثبت من خلال الوثائق البريطانية وتصريحات المسؤولين الإيرانيين، أن الأهمية الاستراتيجية والأمنية والاقتصادية للجزر الثلاث، كانت دافعاً لإقدام الشاه على احتلالها بالقوة العسكرية عام .1971 كما استبان أن تواطؤ بريطانيا مع الشاه قبل رحيلها عن منطقة الخليج، قد سهل من هذا الاحتلال وعجل بحدوثه.
2- إن الأسلوب العسكري الذي اتبعته إيران في معالجتها لأزمة جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى، عندما قامت باحتلالهما في عام 1971، يعتبر عملاً غير مشروع، وخرقاً للأعراف والمواثيق الدولية التي تُحرم استخدام القوة أو التهديد بها لحل المنازعات الحدودية والإقليمية. ولذلك فإن احتلال الجزيرتين لا يمثل سوى حالة واقعية تفتقر إلى الأساس القانوني.
3- أثبتت الوثائق التي تناولتها الدراسة، أن مذكرة التفاهم المبرمة بين حاكم الشارقة وشاه إيران عام 1971، حول تقسيم جزيرة أبو موسى، تعد في حكم المنعدمة أو الباطلة بطلاناً مطلقا، وأن الحدود التي تضمنتها الخريطة المرفقة بالمذكرة، تعتبر حدوداً غير مشروعة، حتى ولو كانت مؤقتة، لأنها فُرضت تحت الإكراه الذي مورس على حاكم الشارقة من قِبل بريطانيا وإيران معاً، هذا فضلاً عن انتفاء شرط المشروعية من هذه الاتفاقية، نظراً لتحقق تآمر الدولتين السالف ذكرهما على إخراج الجزيرة من السيادة العربية، وذلك بالمخالفة لأحكام المادة (53) من اتفاقية فينا لقانون المعاهدات لعام 1969 .
جزء من محضر اجتماع مؤرخ في 30 أكتوبر 1971 بين الوسيط البريطاني والمعتمد السياسي في الخليج من جهة، وصاحب السمو الشيخ صقر بن سلطان القاسمي حاكم رأس الخيمة من جهة ثانية، إذ لجأ فيه المعتمد السياسي البريطاني إلى أسلوب الترهيب عندما حذر الحاكم من إمكانية احتلال إمارته من قبل قوات الشاه إن لم يتنازل عن جزيرتي طنب.
4- إن قيام إيران في عام 1992، بانتهاك خط الحدود الفاصل بين الأراضي التي خُصصت لإنزال قواتها فيها وبين المناطق الخاضعة للولاية العربية من جزيرة أبوموسى، يُعد إخلالاً جوهرياً بنصوص مذكرة التفاهم المبرمة بين الطرفين عام 1971 – على فرضية صحتها ومشروعيتها – نظراً لأن التصرف الإيراني تم بالإرادة المنفردة وليس باتفاق الدولتين، وهو ما يعطي دولة الإمارات الحق في إنهاء العمل بالمذكرة أو إيقافها إعمالاً لنص المادة (60) من اتفاقية فينا لقانون المعاهدات لعام1969
وثيقة إيرانية سرية مؤرخة في شهر يوليو 1904 موجهة من وزارة الجمارك والبريد إلى رئيس الوزراء تتضمن اعترافاً بعدم وجود دليل على ملكية جزيرة طنب، كما تؤكد أن جزيرة أبوموسى مازالت – هي الأخرى – متنازعاً عليها.
5- إن تسوية النزاع عن طريق الوسائل السياسية يبدو أمراً متعذراً، نظراً لإخفاق طرفيه ليس في الوصول إلى حل مرض فحسب، بل لمجرد الاتفاق حول جدول الأعمال المفترض مناقشته أثناء التفاوض. كما ثبت أن جميع الوساطات الخارجية لم تُفلح في تقريب وجهات نظرهما، وهو ما يعني استنفاد جميع الوسائل السياسية الممكنة لحل هذا النزاع، خصوصا بعد مضي أكثر من 35 عاماً على ظهوره دون تحقيق نتيجة تذكر.
6- كشفت الدراسة أن طرفي النزاع عجزا عن إثبات صحة ادعاءاتهما في السيادة على الجزر الثلاث اتكاءً على سند الحق التاريخي التقليدي، نظراً لانقطاع هذا السند بخضوع الجزر لسيطرة قوى أخرى خلال أزمنة تاريخية مختلفة؛ إلا أن أصداءً لمبدأ التدعيم التاريخي للحق الذي استندت عليه دولة الإمارات، تبدو واضحة من خلال مظاهر السيادة المتعددة التي مارستها على هذه الجزر.
7- على الرغم من الكم الكبير الذي تقدمت به إيران من الخرائط الصادرة في أزمنة مختلفة، إلا أنه لوحظ اتسامها بالغموض والإبهام وعدم الدقة الفنية، فضلاً عن صعوبة الاعتداد بها من الناحية القانونية، لعدم صدورها عن جهات رسمية معتمدة، وانتفاء صلتها بالنزاع على الجزر الثلاث.
8- إن الخريطة الإيرانية الوحيدة التي ثبتت صفتها الرسمية- في رأينا- هي الخريطة التي أصدرتها وزارة الحرب البريطانية في عام 1886، وأهدتها لشاه إيران عام 1888، وظهرت فيها الجزر الثلاث بلون الساحل الفارسي. وكان يمكن لهذه الخريطة أن تشكل نوعا من السلوك اللاحق لمواجهة الحكومة البريطانية به، إلا أن ما افقدها قيمتها القانونية أمران، الأول: أن إيران ذاتها قد نسخت هذا السلوك من خلال عروضها المتكررة لاستئجار أو شراء الجزر الثلاث. الثاني: أن شروط السلوك اللاحق لم تتحقق في التصرف البريطاني.
9- باستقراء مجمل الأدلة التي قدمها طرفا النزاع، بما تضمنته من أسانيد تاريخية وقانونية وأدلة على ممارسة السيطرة الفعلية ووظائف الدولة على الجزر الثلاث؛ ومن خلال مقارنة هذه الأدلة بالقرارات والمبادئ والقواعد الصادرة عن القضاء والتحكيم الدوليين؛ تبين أن ميزان الأدلة يُرجح أسانيد السيادة الإماراتية، خصوصا ما يتعلق منها بالحق القانوني وأدلة ممارسة مظاهر السيادة على هذه الجزر.
ثانياً: المقترحات 1- على إيران تجاوز تركة الشاه محمد رضا بهلوي المبنية على منطق الهيمنة وتوظيف سياسة القوة ومحاولة فرض السيطرة على الخليج والاستئثار بمضيقه الحيوي، وستكون أول مبادرة منها لإزالة رواسب الإرث الامبراطوري الشاهنشاهي إعادة الجزر الثلاث، أو القبول بإحالة النزاع عليها إلى القضاء الدولي.
2- على القادة وصناع القرار في إيران إدراك أن التسوية القانونية تعتبر أفضل الطرق لحل هذا النزاع، باعتبارها عملاً قانونياً محضاً غير مرتبط بأية عوامل سياسية أو مؤثرات خارجية قد تؤدي إلى المساس بالهيبة والكرامة الوطنية لأي من الطرفين.
3- في حال قبول إيران إحالة النزاع إلى القضاء الدولي، يقترح الباحث اللجوء إلى التحكيم الدولي، نظراً لملاءمته لتسوية النزاع من وجهين:
الأول: لأنه- بخلاف محكمة العدل الدولية- سيُمكَّن الطرفين من المشاركة في اختيار أعضاء هيئة التحكيم وتحديد القواعد والمبادئ القانونية واجبة التطبيق على هذا النزاع، فضلاً عن إمكانية قيامهما باختيار نمط الإجراءات التي يتوجب على هيئة التحكيم الالتزام باتباعها، وهو ما سيسهم في إزالة مخاوف إيران من إمكانية إصدار أعضاء المحكمة قراراً متحيزاً ضدها.
الثاني: لأنه يتميز عن قضاء محكمة العدل الدولية بسرعة إجراءاته، وفي ذلك تلبيةً لمطالب دولة الإمارات في حل النزاع خلال فترة زمنية وجيزة ومحددة ليتسنى للدولتين الالتفات إلى إزالة ما ران على علاقاتهما الثنائية من قتامة طوال أكثر من 35 عاماً.
وثيقة تنشر لأول مرة مؤرخة في 13 مايو 1971، تثبت قيام دولة الإمارات – من خلال إمارة رأس الخيمة – بممارسة سيادتها الفعلية على جزيرة طنب الكبرى، والوثيقة عبارة عن رسالة موجهة من مدير المدرسة «القاسمية» بجزيرة طنب إلى مدير التربية والتعليم برأس الخيمة.
4- إذا ما صدر عن هيئة التحكيم التي ستتولى الفصل في النزاع قرار يقضي بإعادة الجزر الثلاث إلى سيادة دولة الإمارات، يقترح الباحث- بعيداً عن نتائج هذا الحكم- إيجاد تسوية لمطالب إيران الأمنية في منطقة الجزر، وذلك حرصاً على إزالة أجواء التـــوتر وعدم الثقة، وتأكيداً لحسن النية واثبات الالتزام بمبدأ حسن الجوار. والتسوية التي نقترحها تتمثل في قيام الطرفين بتشكيل لجنة متكافئة ودائمة تتولى- بصورة دورية- مهمة التأكد من عدم وجود أية أنشطة لأطراف دولية معادية لإيران على أرض الجزر أو في مياهها الإقليمية، وتنتهي مهمة هذه اللجنة بقرار مشترك من الطرفين.
وثيقة إيرانية مؤرخة في 2 ديسمبر 1935 صادرة عن مدير الشركة الإنجلو-إيرانية يرجو فيها من الشيخ سلطان بن سالم القاسمي حاكم إمارة رأس الخيمة الموافقة على قيام الشركة بالتنقيب عن النفط في «جزيرتكم الطنب…» التي تعد «داخلة في حدودكم».
5- على دولة الإمارات إثارة القضية في المحافل الإقليمية والدولية، ومتابعة التصرفات السياسية والعسكرية في الجزر، والاحتجاج عليها أمام الجهات الدولية المختصة، بما يكفي لقطع عملية التقادم التي تسعى إيران إلى إثباتها كأمر واقع.
6- على الدول العربية بلورة موقف سياسي موحد تجاه قضية الجزر بما يعضد مساعي دولة الإمارات لاستعادة السيادة عليها؛ وكذا تشكيل لجنة منبثقة عن جامعة الدول العربية لتولي متابعة شؤون الجزر من النواحي القانونية والسياسية والعسكرية أمام الهيئات والمنظمات الدولية والإقليمية.
7- اذا ما اصرت ايران على موقفها الرافض تسوية النزاع بوساطة القضاء او التحكيم الدوليين، بعد فشل محاولات الحل الدبلوماسي والمفاوضات الثنائية، وتعثر جهود الوساطة والتوفيق التي ابتدرتها بعض الدول العربية والاجنبية، فانه يصبح من المشروع والمنطق قيام دولة الامارات بالانتصار لقضيتها العادلة من خلال رفع شكوى رسمية على ايران الى مجلس الامن الدولي، بغرض الضغط عليها لثنيها عن تشددها غير المبرر حيال هذا النزاع، واجبارها على التفاوض لايجاد حل مرض للطرفين.
8- الموافقة المسبقة من قبل طرفي النزاع تمثل احد شروط التقاضي امام التحكيم او القضاء الدوليين، وهو ما يجعل الدعوات التي تطلقها دولة الامارات للجوء الى احدى هاتين الوسيلتين القضائيتين غير ذات جدوى في ظل الرفض الايراني بوصفه الطرف الاخر في النزاع، الا أن بإمكان دولة الامارات اللجوء الى وسيلة اخرى وهي طلب فتوى قانونية من محكمة العدل الدولية حول النزاع بما تحوزه من وثائق وادلة قانونية وتاريخية تثبت سيادتها على الجزر الثلاث.
وهذه الوسيلة وان كانت غير ملزمة لايران، الا انها تمثل اداة للضغط عليها، وكشف زيف ادعاءاتها في هذه الجزر أمام المجتمع الدولي.
التسوية القانونية للنزاع الإماراتي ــ الإيراني
أهم ما يميز كتاب «التسوية القانونية للنزاع الإماراتي ـ الإيراني» على الجزر الثلاث، الذي هو في الأصل أطروحة ماجستير تبنّت جامعة الدول العربية نشرها في كتاب، في سابقة هي الأولى من نوعها؛ مستواه العلمي، إضافة الى كونه يلامس بعداً مهماً من أبعاد العلاقات العربية الإيرانية، والمتمثل في النزاعات الحدودية. وفي الواقع تعتبر قضية الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية الثلاث طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبوموسى، حائلاً دون تطوير العلاقات الخليجية ـ الإيرانية خصوصاً، والعربية ـ الإيرانية عموماً. إذ إن سياسة ايران تجاه منطقة الخليج هدفها التمدد الإقليمي خارج حدود الدولة. وهذا هو واقع الحال منذ أيام حكم الشاه حتى الآن، وإن اختلفت الأساليب وتنوعت الأدوات. لهذا فإن إثارة أسئلة تتعلق بالأهمية الاستراتيجية للجزر الثلاث، ووضعها القانوني قبل قيام دولة الاتحاد وبعده، والأسانيد التي يعتد بها الطرفان الإماراتي والإيراني للتأسيس لحقه في الجزر الثلاث، ورأي القضاء الدولي في تلك الأسانيد، باتت مسألة لا غنى عنها في مشوار البحث عن تسوية سلمية للنزاع بين الجانبين.
يقع الكتاب في 469 صفحة من القطع الكبير، ويضم خمسة فصول، الأول منها يتعرض للوضع التاريخي والسياسي للجزر قبل قيام دولة الإمارات، ويناقش الدور الذي لعبه القواسم في صراعهم مع البريطانيين والفرس، اضافة الى الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية للجزر. بينما يناقش الفصل الثاني الوضع القانوني للجزر بعد قيام الدولة، ويتعرض لموقف القانون الدولي من مذكرة التفاهم حول تقسيم جزيرة أبوموسى، والآثار المترتبة على احتلال الجزر الثلاث وأهمية تسوية النزاع بالطرق القانونية.
أما الفصل الثالث فيتعرض لأسانيد السيادة لكل من دولة الإمارات وإيران على الجزر الثلاث، ويشرح بالتفصيل أسانيد السيادة الاماراتية والحق التاريخي العربي في الخليج وجزره، ودعائم هذا الحق. كما يناقش الحق القانوني في الجزر وممارسة وظائف الدولة عليها. ويأتي على أسانيد السيادة الايرانية، ودعاوى الحق التاريخي الفارسي في الخليج وجزره.
وفي الفصل الرابع يتعرض الكاتب لأسانيد طرفي النزاع في ميزان القضاء الدولي.
اما الفصل الخامس والأخير فيتعرض بالتفصيل للنزاع على الجزر في ضوء المبادئ القانونية الحاكمة لتسوية المنازعات الحدودية والإقليمية، مع الاستشهاد بنماذج نزاعات حُلت قانونياً كالنزاع على طابا بين مصر وإسرائيل، وجزيرة حنيش بين اليمن وإريتريا. ونظراً لأهمية هذا الكتاب فقد وجدنا أن نقدم له عرضاً على ست حلقات، إضافة لحلقة خاصة للوثائق التي تعرض للمرة الأولى ليس بهدف تثبيت حق ثابت، وإنما تعميماً للفائدة.
7-7
عبداللطيف الصيادي
–ماجسـتير في القانون الدولي العام. –دبلوم دراسات عليا في القانون الدولي العام. –ليسانس شريعة وقانون.
ملاحظة: تضمن البحث عددا كبيرا من المصادروالمراجع والرسائل العلمية والدوريات والجرائد وأحكام القضاء الدولي، إلا ان يتعذر الإشارة إليها لصعوبة ادراجها ضمن هذا العرض الموجز للكتاب.
|
Comments are closed.