الطفـل الأول.. شـريـك الأب أم بديله

على الزوج أن يدعم المرأة ويتفهم مسؤولياتها الجديدة.أرشيفية

يعيش الزوجان في مرحلة من الانسجام والطمأنينة والهيام، لاسيما في الفترات الأولى من الزواج، فتكون العلاقة حميمة وصحية بين الزوج والزوجة، ولا تشوبها شائبة. وعندما يدخل الطفل الأول الأسرة، وعلى الرغم من حالة المتعة والدهشة العارمة التي يُلوّن بها الغرف والنهارات، وما يبعثه في الأمزجة المحيطة به من اندفاع وصخب ومرح، لكنه أيضاً يربك السائد المعتاد ويفرض على الزوجين ظروفاً جديدة، ومسؤوليات من نوع آخر، ويفرض كذلك ترتيباً جديداً للأولويات الأسرية.

 

لكن غالباً ما تقع المسؤولية الكبرى على المرأة، فهي الأم وربة المنزل والزوجة، وعليها إيجاد توازن بين تأديتها مختلف واجباتها، فيكون هناك تقصير في المرحلة الأولى، وبلا شك يكون تجاه الزوج، اذ تأخذها الأمومة فتشغلها عن منزلها وتبعدها عن زوجها. ويُرصد هذا التحقيق الأسباب التي تؤدي إلى الفتور في العلاقة الزوجية بعد إنجاب الطفل الأول، وكيف ينبغي ان يتعاملا مع الحياة الأسرية الجديدة.

 
حياة غير واضحة
تشعر مادلين التي أصبحت أماً وهي في بداية العشرين بأن الوضع كان جديداً عليها، حتى انها شعرت بأن حياتها صارت «غير واضحة المعالم، فليس هناك من نظام»، اذ  يتوجب عليها ان تنام في الوقت الذي تنام فيه طفلتها، وان تستيقظ في الوقت الذي تستيقظ فيه، كي تضمن حصولها على اوقات الراحة.

 

وتقول «اما الزوج فلا يتقيد بهذا الموضوع، لأنه يعتبر أن الزوجة يجب ان تكون جاهزة تماماً  لتلبي مختلف رغباته واحتياجاته، في حين انها كزوجة تفقد طاقتها بسبب ثقل الأعمال المنزلية، وكذلك بسبب مسؤوليتها تجاه الطفل».

 

وتضيف مادلين «الرجل لا شعورياً يدرك ان زوجته ستبتعد عنه قليلاً بعد انجاب طفلها، اذ ينتابه الشعور بأن هناك شريكاً دخل الى حياته من دون استئذان». أما عن تعامل مادلين مع ابنتها فتقول «ابنتي كانت مريحة جداً، فلم تكن من الأطفال الذين يتعبون أهلهم في المساء، فقد كانت تريحني بنومها طوال الليل. لكن الأحساس بالأمومة جعلني اكثر تمسكاً بفكرة العائلة، واشعر بأن مفهوم العاطفة يجب ان يبنى على هذا الأساس».

 

برود وتغير
بدأت تتغير الحياة الزوجية لنيرمين خليل بعد انجاب طفلها الأول، فهي تعترف بأنها لم تعد قادرة على الاهتمام بأناقتها وبنفسها كالسابق، «بدأت اختار الملابس التي تصلح للرضاعة، كما اني تخليت عن لبس الكعب العالي، اما شعري فدائماً مرفوع الى الأعلى. هذه الأمور كلها أسهمت في تغيير مظهري، بالإضافة الى تغيير موعد الراحة، فأصبح ابني يتحكم في موعد نومي، كل هذه الأمور تؤدي الى إضعاف العلاقة الزوجية، كما اني شعرت بأن مشاعري كلها تتجه الى ابني، وهذا أثر في علاقتي بزوجي».

 

اما عن التحكم في العودة إلى الحياة الزوجية السابقة فتقول خليل «يتخلل الفترات الأولى بعد الإنجاب خوف كبير من الحمل الثاني، وكذلك آلام الولادة التي لا تزول بسرعة، بالإضافة الى الإحساس بالمسؤولية الذي تشعر به الأم بعد الإنجاب، كل هذه  الأمور تسهم في برود العلاقة الزوجية». هذا في ما يتعلق بالمرأة، اما في ما يخص الرجل فهو طبعاً سينفر قليلاً منها بسبب بعض التغيرات التي حلت على جسمها، فدائماً يوجه للمرأة كلاماً يذكرها بالماضي، وهذا فعلا يجرحها». 

وتتابع خليل «لا اشعر بأن الرجل يمكنه ان يتفهم تعب الأم مع الأطفال، والدليل انه لا يختار الوقت المناسب إطلاقاً كي يتقرب من زوجته او يطلب منها ان تسهر معه قليلاً». وتستدرك خليل بالقول «لكن حب الأب لابنه يدفعه الى الاهتمام بزوجته، فيدللها كي تتمكن من تربية الأولاد تربية سليمة وصحيحة». 

 

اما التغيير في علاقة الرجل مع الزوجة، فتوضحه خليل «عندما اتحدث بود مع زوجي، فبدلاً من مغازلتي كما كان يفعل سابقاً يناديني بـ«أم حسين»، وهذا  يشعرني بأني كبيرة في السن، ولا أحب ذلك، كما انه مسح اسمي عن الهاتف وسجله «أم حسين، فأنا اصبحت بنظر زوجي أم اولاده، فنظرات الحب القديمة بدأت تتبدل بسبب مسؤولية الأطفال الجديدة، وكذلك بسبب تلبية مختلف احتياجاتهم، فدائما نشعر بأن الالتزام بالأولاد يجب ان يأخذ المرتبة الأولى». ولا تنكر خليل انه بعد ان كبر اولادها بدأ يتلاشى البرود «شعرت بأن علاقتنا الزوجية بدأت تعود الى ما كانت عليه قبل الانجاب، حين كبر اولادي، فأحيانا أحرص على ان يناموا باكراً لأتمكن من السهر والاهتمام بزوجي».

 

تحوّل جديد
يوضح الاختصاصي في علم الاجتماع، الدكتور حسين العثمان أن «إنجاب الطفل الأول يعني تحولاً جديداً في حياة الأسرة، وبالتالي يعني انه سيؤدي الى تغيير في علاقة الزوجين.

 
ومن الطبيعي ان تحدث بعض التحولات في هذه العلاقة، فالزوج في ثقافتنا العربية يبتعد قليلاً حين تنجب الأم لأنه لا يجيد التعامل مع الطفل الجديد. بالإضافة الى أن المرأة تحتاج الى الدعم والراحة في مرحلة ما بعد الولادة، لكن الزوج الذي يعيش في مجتمع ذكوري يبتعد قليلاً لانشغال الزوجة بطفلها، وكذلك لعدم الخبرة في التعامل مع الحياة الجديدة».

 

اما فتور العلاقة الزوجية بعد الإنجاب، فيبرره العثمان بالقول «تفتر العلاقة الزوجية أحياناً ولاسيما إن كانت الزوجة تعطي كامل وقتها لطفلها». وقد اشار العثمان الى اهمية تفهم الزوج لوضع الأم الجديد، «لكن على الزوج أن يتفهم زوجته ويدعمها في هذه المرحلة الدقيقة، والتفاهم هو اساس العلاقة السليمة، بالإضافة إلى أن وجوب العناية بالمرأة بخلق توازناً في حياتها بين الزوج والطفل، وذلك كي تضمن استمرار حياتها على نحو طبيعي».

خبرة جديدة
وينصح العثمان الزوجين «بأن يتحدثا عن الخبرة الجديدة التي يكتسبانها، وكيفية الاتفاق على اساليب محددة لحياتهما، لأن الطفل كائن جديد في الأسرة والتعامل معه ليس بالأمر البسيط، لاسيما تعامل الزوج مع الابن». اما عن خلق التوازن في الحياة الزوجية، فيرى ان التوازن مسألة نسبية في الحياة، وكل يفسرها على ذوقه، لكن رضا الطرفين هو المؤشر الوحيد إلى صحة التوازن في الحياة الزوجية».

 

ثبات الأسرة
ودعا الدكتور العثمان الزوج إلى الاهتمام بالزوجة في هذه الفترة، اذ يقول «الزوجة تحتاج الى دعم الزوج في هذا الوضع الجديد، وهو ليس بالأمر السهل على الزوج، كونه كان معتاداً على ان يكون وحده محور اهتمام الزوجة، واليوم له شريك وهو ابنه. ولكن هنا لا بد من الإشارة الى ان ثبات العائلة امر يشبه المستحيل، فحتى العلاقة الحميمة تتغير مع تغيير تركيب الاسرة». 

 

صعوبات العصر 
يلفت الاختصاصي في علم الاجتماع الدكتور حسين العثمان الى أن «وضع الأمهات والآباء في عصرنا الحالي أصعب من قبل، وذلك يعود الى الأسباب الاجتماعية التي تحيط بالأم والأب قبل انجاب الطفل الأول. اذ كانت الأمهات في السنوات الماضية اكثر تهيؤاً للأمومة، فهن وان لم يختبرنها الا انهن قد يملكن بعض الأساسيات، حيث كن يتبادلن الخبرات مع بعضهن ، وكذلك الأزواج. في حين أن معظم أزواج العصر الحالي ينجبون الطفل الأول من دون ادنى فكرة عن وسائل التعامل معه».

 

ولفت العثمان الى تعامل العالم الغربي مع الامومة «اذ يعلّمون الأزواج  معنى الحياة الزوجية والأبوة والأمومة، بينما تغيب عن العالم العربي مهارات الدعم الاجتماعي للتعامل مع الأوضاع الجديدة في الأسرة». 
 

Comments are closed.