التدريب الوظيفي.. بدعـة إداريـة أم متطلب للتطوير المهني؟
إلى أي مدى يسهم التدريب المهني في رفع كفاءة الموظفين العاملين في الدوائر الحكومية؟ وهل تفي البرامج التدريبية بحاجات المعرفة والتأهيل المطلوبة، وترتقي لتلبية طموحات الموظف وتطلعاته المهنية؟ هل تعد برامج التدريب بدعة إدارية اقتضتها عناوين التطوير والتميز المؤسسي، أم أنها أداة حقيقية فعالة ترفع من مستوى قدرات العاملين وتحسن من ادائهم الوظيفي؟ وما المشكلات الاساسية التي تعيق تطوير سياسات وبرامج التدريب المهني، نقص الخبرات أم قصر النظر وسوء التخطيط الاداري؟
المعنيون والخبراء بشؤون التدريب الوظيفي تباينت آراؤهم حول العوامل المؤثرة في تحقيق الفوائد المرجوة من تدريب الموظفين العاملين في الدوائر الحكومية، فبعضهم أكد أنها تعتمد بشكل رئيس على مدى التوافق والتنسيق بين الحاجات التدريبية للمؤسسات الحكومية، ومستوى ونوع الكفاءات المتدربة، في حين رأى آخرون أن ثمار التدريب لا تنضج إلا بتطويع نتائجه في دعم خطط التطوير المستقبلية لتلك المؤسسات.
وعدّ خبراء التمويل أحد المعوقات الاساسية التي تعرقل آفاق تطوير السياسات التدريبية، محذرين من تدني مستوى التدريب الوظيفي، نتيجة تقليص موازنات المؤسسات التي تنال من خطط التطوير.
حاجة السوق
المدرب وأخصائي العلاقات العامة والإعلام حسن عبدالله البلغوني، أشار الى أن حاجة سوق العمل رفعت من كفاءة الدورات التدريبية التي بات لزاماً ان تتصف بالتخصصية والمنهجية، بعد أن شهدت السوق فترات طويلة من انتشار الدورات التدريبية التجارية. وقال إن الموظفين كانوا في السابق يبتعثون في دورات تدريبية خارجية ينصرفون فيها الى قضاء إجازة سياحية بدلاً من ان يستفيدوا بتطوير مهاراتهم الوظيفية، حتى ادركت المؤسسات الحكومية اهمية خضوع الموظف لدورات تدريبية فعلية تحدد فيها المادة العلمية لمحاور البرنامج التدريبي والسيرة الذاتية للمدربين، كما يشترط فيها مشاركة المتدربين في اختيار موضوع التدريب وتقييم فعالية البرنامج التدريبي.
واعتبر البلغوني أن المشكلات الاساسية المعوقة لتطوير برامج التدريب تتركز في التمويل. وأكد ان بعض المؤسسات تعاني العجز المادي وقلة السيولة، الأمر الذي أدى الى تعطيل الكثير من الخطط المستقبلية للتطوير المهني التي من أهمها التدريب. ولفت الى أن الميزانية المرصودة لبرامج التدريب في الولايات المتحدة تزيد بنسبة 60٪ سنوياً مقارنة بإلغاء الخطط التدريبية اولاً وقبل كل المشروعات الأخرى في الدول العربية عند ظهور أي مستجدات.
وجزم البلغوني بأن نقص الموارد المالية سيضطر الدوائر الحكومية إما الى الاعتماد على برامج تدريب ذاتية لا تلبي احتياجاتها التدريبية بالمضمون المطلوب، أو التوجه إلى برامج تدريبية متواضعة في مستواها المعرفي، لكنها اقل تكلفة مادية، وان ذلك برأيه سينعكس سلباً على مستوى البرامج التدريبية.
رفع الكفاءة
الاستاذ المشارك لمادة العلوم الإدارية وخبير التدريب في التنمية الادارية الدكتور محمد جمال أبوالمجد، قال إن التدريب المهني يرفع من كفاءة الموظفين، لكنه لا يكون مفيداً وفعالاً إلا إذا تقرر على ضوء العلاقة بين موضوع ومستوى التدريب، ومدى حاجة الموظف له وتوافقه مع إمكاناته، وعلاقة الأمرين بالاحتياجات التدريبية للجهة التي يعمل فيها الموظف.
وأكد أبوالمجد أن البرامج التدريبية تحاكي حاجات تدريبية متعددة مثل المعارف والسلوك والمهارات، إلا أن توجه المدرب لعدد كبير من المتدربين متبايني الكفاءات والاحتياجات يجعل درجة الاستفادة من البرنامج نفسها متفاوتة، لاسيما ان متابعة المدرب لكل فرد على حدة مشوشة وليست علاقة خطية إضافة الى أن الجرعة التدريبية موجهة للجميع في الوقت نفسه وبالحجم نفسه.
أما عن المعوقات فقال أبوالمجد إن تنظيم الدورات التدريبية يكون احيانا بدعة إدارية وأحد مجالات التقليد ومظاهر الغيرة بين المؤسسات. واضاف أن المحتوى التدريبي غالباً ليس له اساس علمي، وان الموظف لا يكون في حاجة إليه أو ليس في حاجة إليه خلال تلك المرحلة من تأدية وظيفته، بل بحاجة الى موضوع متخصص آخر. واكد أبو المجد أن عدم قياس الجرعة التدريبية، وتقييم البرنامج قبل وبعد التدريـب، إضافة الى عدم اختيار المدرب المناسب يأتي من ضمن معوقات التطوير.
وقال إن التطوير يجب ان يتم على ضوء نتائج تقييم البرنامج، لافتا إلى ضرورة عدم إنهاء علاقة المدرب بالمتدربين بإنجاز الدورة ووجوب اشتراكه في تقييم مدى الاستفادة من البرنامج التدريبي ومواطن القصور التي شابت محاوره، معتبراً ان هناك مشكلة في عدم فعالية طرق تقييم البرامج نفسها، حيث يتم التقييم ورقياً ويُكتفى بأسئلة نظرية لا تمت للتفاصيل العملية للدورة.
وأكد أن التدريب يجب ان يرتبط بحاجات العمل وأن يعقد في موقع العمل ومتوافقاً مع شروط انجازه وليس في قاعات معزولة، مضيفا أن محاور الدورة التدريبية يجب ان تنبثق من قلب ظروف العمل واحتياجاته، ويتعين على المدرب ان يدرس بيئة العمل واحتياجاته قبل ان يحدد العناوين والمحتوى الاساسي للدورة التدريبية. ولفت أبوالمجد إلى اهمية تفعيل استخدام الوسائط الالكترونية كإحدى الوسائل الفعالة في رفع كفاءة التدريب المهني، نظراً لأنه تدريب متواصل ومتجدد يذلل الكثير من المعوقات.
وأوضح ان التدريب عبر الوسائط الالكترونية يمكن ان تستخدم فيه نماذج حية جاهزة يتم تطويعها حسب حاجة الجهة، بحيث يتم التعاقد مع جهة استشارية توفر هذه الوسائط وتشرف على تطبيقها، مؤكداً ان في ذلك وسيلة فعالة واقتصادية للتدريب، إضافة الى انها وسيلة سريعة وعملية تمكن الموظف من تلبية احتياجاته التدريبية، نظراً لاتصاله الدائم بالمدرب.
التطوير الوظيفي
مدير أول إدارة الجودة والمعايير العالمية في هيئة «اتصالات» الدكتور محمد المطوع، أشار إلى أن «التدريب المهني أساسي ولا يمكن ان يفصل عن التطوير الوظيفي، لكن يتعين دراسة مستجدات ومعطيات العمل الجديدة ومتطلبات الخطة المستقبلية للقطاع المعني بالتدريب». واوضح أن الدوائر الحكومية في الامارات وفي دبي تحديداً قطعت شوطاً في اعطاء التدريب اولية، فعمدت الى تأسيس وتطوير المراكز التدريبية ضمن مؤسساتها، مثال على ذلك مركز تدريب بلدية دبي ومركز التدريب في هيئة كهرباء دبي. لكن المطوع لم ينفِ عقد دورات تدريبية دون المستوى وليست بمستوى كفاءة العمل في بعض الدوائر الحكومية الأخرى، وذلك بسبب الاعلانات التجارية الخادعة على المواقع الالكترونية التي تروج لبرامج وشركات تدريبية غير كفؤة.
ولخص المطوع المعوقات بثلاثة، اولها: عدم تقدير اهمية واهداف التدريب والتعامل معه على انه من الكماليات الوظيفية، وثانيها الاختيار الخاطئ للمتدربين، وثالثها عدم اعتماد قائمة ببيانات وخبرة وتخصصات مراكز التدريب ونوعها ومحتواها، وذلك من مهام ومسؤوليات الادارة التي عليها أيضاً طلب تقرير من الموظف المتدرب عن مستوى ومدى استفادته من البرنامج التدريبي، إضافة الى قياس اثر التدريب في مستوى العمل لاحقاً. واستبعد المطوع ان تكون المعوقات مالية، معتبراً أن المعوقات الثقافية والمعرفية من قلة الخبرة والمهارة في استخدام المورد المادي بكفاءة وحسن تخطيط أكثر ضرراً من نقص الموارد المادية.
التدريب
أما مديرة مركز توظيف وتنمية المهارات في «تنمية» نورا البدور، فأكدت ان تدريب الموظف على رأس العمل يسهم مساهمة كبيرة في رفع كفاءته المهنية، لان التعليم النظري لا يمكن ان يؤهل الموظف للقيام بمهامه بفعالية كاملة، في حين يعمل التدريب على اكساب الموظف مهارات ومؤهلات جديدة. وأضافت أن التدريب يفتح آفاقاً جديدة امام الموظف، ويتيح له التطلع نحو توجهات وظيفية جديدة تحسن من مستوى ادائه المهني، بما يخدم تطوره الوظيفي.
وقالت إن تجربة «تنمية» كشفت أن الخريجين الجدد غير مقبولين في سوق العمل من دون تدريب، وان نسبة فرص حصول الخريج على عمل تزيد بمقدار عال بسبب التدريب، لأنه يكسبه مهارات تهيئه للقيام بمهامه الوظيفية.
واعتبرت البدور سوء التخطيط العائق الاساس لتطوير خطط التدريب. وقالت إن كل المؤسسات لديها ميزانية محددة للتدريب، يجب ألا تهدرها بسوء التخطيط، بمعنى انها يجب ان تضع خطة تدريبية مستندة للتوصيف الوظيفي للعاملين في إداراتها ونتائج التقييم الدوري لمهاراتهم، ومواطن القصور في ادائهم، مؤكدة أن بعض المؤسسات لديها سوء تخطيط وهو ما يمنعها من تطوير خططها وسياستها التدريبية.
التخطيط
من جهتها رئيسة قسم تطوير الموارد البشرية في إدارة الموارد البشرية في بلدية دبي أحلام ميرزا، أكدت أن التدريب عامل اساس في رفع مستوى ثقافة ومعرفة وكفاءة الموظف، وانه يسهم في صقل مهاراته الوظيفية بنسبة 40٪. وأضافت أن الموظف يبدأ مسيرته الوظيفية بمؤهلات اساسية، إلا ان التدريب مسؤول بشكل رئيس عن تطوير قدراته بما يضمن تأديته مهامه الوظيفية بكفاءة. وأشارت ميرزا إلى تطور مستوى الدورات والبرامج التدريبية في الدولة، خصوصاً في إمارتي دبي وأبوظبي، مؤكدة أن المؤسسات الخليجية تقصد الإمارات لتدريب موظفيها.
وأكدت رئيس قسم تطوير الموارد البشرية في بلدية دبي أن سوء التخطيط أحد المعوقات الأساسية لتطوير السياسات التدريبية، موضحة أن الخطة التدريبية لأي مؤسسة يجب أن ترتبط بالخطة الاستراتيجية للمؤسسة، وإلا انتفت فائدتها ومقومات استثمارها في تنفيذ مهام العمل.
واعتبرت ميرزا أن الاختيار الخاطئ للمتدربين وتعيين مدربين دون المستوى المطلوب يضيع جهود المتدربين ويهدر ميزانيتها المرصودة للتدريب. وقالت ميرزا إن النقص في تمويل البرامج التدريبية على مستوى مؤسسات الدولة بشكل عام أدى الى معاناة الكثير من المؤسسات، ونال من الميزانية الخاصة بالتدريب. لكن ميرزا أكدت أن خطة ترشيد النفقات في بلدية دبي لم تتعرض لتقليص الموازنة الخاصة بالتدريب، مشيرة الى أن وجود مركز التدريب التابع لبلدية دبي يسهم بشكل فعال في توفير كل الاحتياجات التدريبية وبدرجة عالية من الكفاءة، لافتة الى ان ذلك لا ينطبق على كثير من المؤسسات التي قلصت من مصروفاتها، في وقت لا تمتلك فيه تلك المؤسسات الامكانيات التدريبية الذاتية.
معوقات التدريب قلة التمويل. غياب الاساس العلمي للمحتوى التدريبي. عدم اختيار المدرب المناسب. اعتبار التدريب من الكماليات الوظيفية. |