جدل قانوني حول شروط الحضـانة
أثارت قضية «وديمة» وشقيقتها «ميرة» إضافة إلى جريمة ترك أم مطلقة أطفالها الخمسة نحو 10 أشهر في رعاية خادمتيها، وانقطاعها شبه الكامل عنهم طوال هذه الفترة، جدلاً قانونياً حول شروط الحضانة، إذ دعا المحامي إبراهيم التميمي إلى سن قانون يقضي باحتفاظ الأم بحق الحضانة في كل الظروف والأحوال، ما دام لم يثبت ما يؤكد أنها غير أهل لتربية أبنائها، فيما أكدت الباحثة والمستشارة الأسرية وداد لوتاه، أن هذه الدعوة تتجاهل ما يمكن أن يتعرض له المحضون من تحرش على يد زوج الأم.
وتفصيلاً، طالب المحامي إبراهيم التميمي بإدخال تعديلات على قانون الأحوال الشخصية، المعمول به حالياً بشأن حضانة الأطفال، بحيث تُعطى الأم الحق في الاحتفاظ بحضانة أطفالها حتى لو تزوجت من آخر، أو بلغ الأطفال السن القانونية لإسقاط الحضانة، مؤكداً أن «هذا الإجراء من شأنه القضاء على 90٪ من المشكلات الاجتماعية التي تواجه الأطفال بعد الطلاق».
الحاضن سيّئ السيرة لا يُؤمن على المحضون — تنص المادة (156) من قانون الأحوال الشخصية في فقرتها الأولى على أنه «تنتهي صلاحية النساء ببلوغ الذكر إحدى عشرة سنة، والأنثى ثلاث عشرة سنة، ما لم تر المحكمة مدّ هذه السن لمصلحة المحضون إلى أن يبلغ الذكر وتتزوج الأنثى». وقد استقرّ قضاء المحكمة الاتحادية العليا على أن الحضانة تتعلق بها حقوق ثلاثة، هي حق الأب وحق الحضانة وحق المحضون، وهذه الحقوق الثلاثة إذا اجتمعت وأمكن التوفيق بينها ثبتت كلها. أما إذا تعارضت، فقد كان حق المحضون مقدماً على حق غيره، لأن مدار الحضانة على نفع المحضون، فمتى تحقق وجب الصير إليه دون التفات إلى حق الأب أو حق الحاضنة. — تنص الفقرة الثالثة من المادة (143) من قانون الأحوال الشخصية على أنه «يشترط في الحاضن الأمانة» ومفاده، على ما جاء في المذكرة الإيضاحية لهذا القانون، أنه «من ليست له أمانة، كيف يؤتمن على مصلحة المحضون نفسه وجسمه وأدبه وخلقه ودينه، فمن كان سيئ السيرة بحيث لا يؤمن على أخلاق المحضون، فلا يكون أهلاً للحضانة، إذ إن الصغير يقلد من يلازمه، وينسج على منواله، وأنه إذا أدى الفسق إلى الأضرار بمصلحة الطفل فينزع منه حينئذ، إذ إن الحضانة يراعى فيها حق المحضون قبل حق الحاضن». مصلحة الطفل تحدد الحاضن أيدت المحكمة الاتحادية العليا أخيراً، عودة حضانة طفلة تبلغ 13 عاماً إلى أمها، بعدما أسقطتها لمصلحة الأب. وقضت بتثبيت الحضانة للأم، ومدها إلى أن تتزوج الطفلة، مبينة أن «الصغيرة في سن لا تستغني فيها عن حضانة أمها، ولم يثبت في الأوراق ما يطعن في صلاحية هذه الأم للقيام بواجب الحضانة». وفي قضية أخرى، أسقطت المحكمة الاتحادية العليا حضانة أربع بنات عن أبيهن في ضوء ما ثبت لديها من أنه شارب للخمر، وغير أمين على تربيتهن، مبينة أن «الأب فقد أمانته، ولا يكون صالحاً لأن يتولى حضانة المحضونين، على سند أن مصلحة المحضون مقدمة شرعاً على مراعاة حق الحاضن في الحضانة، ولو أدى ذلك إلى بقاء المحضون عند الأم بعد انتهاء سن الحضانة، إعمالاً لحكم المادة (156) من قانون الأحوال الشخصية». قانون الرؤية أصدرت وزارة العدل القرار الوزاري رقم (1150) لسنة 2010 بشأن لائحة تنظيم رؤية المحضونين، الذي تضمن (25) مادة حول المحكوم له بحضانة الصغير، أو من تحت يده المحضون، وتنظيم الرؤية. ونص القرار على أنه «يقرر القاضي الرؤية للمستحقين الآتين: أحد الأبوين، حال انفصالهما، أو اختلافهما والزوجية قائمة، وخروج أحد الزوجين من بيت الزوجية بسبب الخلاف، وأقارب المحضون المحارم، إذا كان أحد أبوي المحضون ميتاً، أو غائباً، أو كان المحضون يقيم لدى غير أبويه، وأن تكون الرؤية في مكان لائق، يشيع الطمأنينة في نفس المحضون، وعلى كل من الحاضن والمحكوم له بالرؤية تسليم المحضون في حال لائقة». ونص القرار على «أن ينفذ الحكم الصادر بالرؤية جبراً إذا امتنع من بيده المحضون عن تنفيذه، وإذا لم يتقيد الأطراف بالسند التنفيذي يرفع الأمر للقاضي المختص ليقرر ما يراه مناسباً، وإذا تكرر عدم التزام الحاضن أو المحكوم له بتنفيذ الرؤية يثبت ذلك في محضر التنفيذ، ويبين فيه عدد المرات التي تكرر فيها الامتناع عن تنفيذ الرؤية، أو مخالفة أيّ منهما للاتفاق أو التأخر في مواعيدها، مع بيان الطرف المخلّ، وإذا كان الإخلال من جانب الحاضن عدّ ذلك إخلالاً لشرط الأمانة، يعتدّ به عند طلب إسقاط الحضانة، وإن كان الإخلال من جانب المحكوم له، فللقاضي منعه من الرؤية لفترة محددة، ويراعي القاضي في أيّ حال مصلحة المحضون». |
ولفت إلى أهمية إبقاء حضانة الأطفال مع أمهم، إلا إذا ثبت أنها سيئة السمعة، وتهمل في تربيتهم ورعايتهم، مؤكداً أن الأم بطبيعتها ستقوم على رعاية أولادها بصورة أفضل من زوجة الأب، مطالباً بالعودة إلى ما أفتى به المذهب المالكي في شأن إبقاء حضانة الأطفال عند أمهم بعد انفصالها عن أبيهم، لما يحققه ذلك من مصلحة للمحضون.
أما الباحثة والمستشارة الأسرية وداد لوتاه، فأكدت ضرورة الإسراع في إنشاء جمعية خاصة تُعنى بمتابعة شؤون الأطفال بعد الطلاق، للوقوف على مدى أهلية الحاضن في توفير الرعاية الاجتماعية والنفسية والمعيشية لهم، بحيث تضم هذه الجمعية اختصاصيين واستشاريين نفسيين واجتماعيين، لتقديم المساعدة التي يحتاج إليها الأطفال الذين يقعون ضحايا العنف الأسري نتيجة الطلاق، وتوفير دور حضانة الأطفال الذين يواجهون مشكلات اجتماعية مع أسرهم خلال فترة الحضانة.
وأكدت أهمية إعطاء هذه الجمعية، وتالياً هيئة تنمية المجتمع، صلاحيات واسعة لإجراء زيارات تفتيشية إلى منازل ذوي الأطفال المحضونين للتأكد من أنهم يوفرون الرعاية الصحية والنفسية والمعيشية المناسبة لهم، إضافة إلى دور هذه الجمعية في توعية الحاضن بكيفية رعاية الأطفال في مرحلة ما بعد الطلاق، بما يضمن تنشئتهم التنشئة الاجتماعية السليمة ويكونون أفراداً صالحين في المجتمع.
ورأت لوتاه أن الوالدين اللذين يثبت إهمالهما في رعاية أبنائهما، سواء أثناء استمرار العلاقة الزوجية أم بعد الطلاق، لا يستحقان حضانتهم، مشيرة إلى أن المسؤولية عن جريمة الطفلة «وديمة» وشقيقتها يتحملها الأب والأم والأجداد، إضافة إلى المسؤولين في مدرسة الطفلتين والمنطقة التعليمية، متسائلة: «كيف يمكن أن تتغيب طفلة لمدة ثلاثة أشهر ولا تبادر أيّ من الأم أو المدرسة أو المنطقة التعليمية في السؤال عن سبب اختفائها طوال هذه المدة؟».
الرعاية المطلوبة
ورصدت لوتاه بعض حالات من الأمهات المطلقات اللاتي أهملن في تربية أبنائهن، إذ يتركن أبناءهن طوال اليوم مع الخادمة التي تقوم بدور الأم بالإنابة، وبعضهن يتركن أبناءهن عند الجدة، أو الجد، وهما يكونان في أمس الحاجة إلى من يتابع شؤونهما، مشيرة إلى أنه لا يمكن القضاء بقطعية وجوب الحضانة عند الأم في جميع الأحوال، ويخضع القرار إلى مصلحة المحضون في المقام الأول.
واتفق المحامي إبراهيم التميمي مع لوتاه في أهمية إنشاء مؤسسة أو جمعية مختصة بشؤون الطفل بعد انفصال والده، بحيث تكون هيئة رقابية تقوم بالإشراف والتحقق من مدى تلقي هذا الطفل الرعاية المطلوبة، وأن تكون بمثابة الوصي عليه حتى بلوغه، وأن تكون لها صلاحيات في استدعاء الحاضن والتحقيق معه، وإحالته للمحاكمة في حال ثبت تعديه على طفله وهو في حضانته، معتبراً أن ذلك من شأنه أن يضمن حقوق الطفل، ويحدّ من جرائم الاعتداء عليه في مرحلة ما بعد الطلاق.
وأكدت لوتاه أن مواد قانون الأحوال الشخصية في شأن تنظيم حضانة الطفل الصادر في عام ،2005 لا تحتاج إلى تعديلات أو إضافات، إذ تتميز بالمرونة والتجدد، وقد حدد القانون سن حضانة الأم للطفل الذكر حتى 11 عاماً، و13 عاماً بالنسبة للأنثى، مشيرة إلى أن القانون وضع شروطاً واضحة لأهلية الحاضن، من بينها حسن السيرة والسلوك والسمعة، فإذا ثبت أن الأب يتعاطى مخدراً أو خمراً أو منحرف سلوكياً، فإنه لا يستحق أن يحتفظ بحضانة الطفل، حتى لو تجاوز السن القانونية، كما حدد إسقاط حضانة الطفل عن الأم في حال تزوجت من آخر، أو عند بلوغ الطفل السن القانونية، إلا إذا رأى القاضي غير ذلك.
رعاية كاملة
ولفتت لوتاه إلى أن مطالبة البعض بأن تحتفظ الأم بحضانة أطفالها في حال زواجها من أجنبي، هو طرح في غير محله، ويتضمّن تجاهلاً لشواهد سابقة تؤكد تعرض أطفال، ذكورا وإناثا، لحالات تحرش من أزواج أمهات. كما أن هناك حالات ثبت فيها انحراف الأم سلوكياً بعد الطلاق، وهو ما حدا بالمشرع إلى إسقاط الحضانة عن الأم في حال تحقق ذلك. وفي المقابل، تضيف لوتاه، فقد سمح القانون للأب في حال زواجه من أخرى، بأن يحتفظ بحضانة الأطفال، بشرط أن يكون أهلاً لذلك، وأن يوفر لهم الرعاية الكاملة، مشيرة إلى أن الأبناء في مرحلة المراهقة يحتاجون بشكل رئيس إلى متابعة والدهم لهم، ورقابته عليهم.
وأكدت المحكمة الاتحادية العليا، في أحكام عدة أصدرتها في أوقات سابقة، أن «الحاضن سيّئ السيرة لا يكون أهلاً للحضانة، ولا يؤمن على أطفاله، إذ إن الصغير يقلد من يلازمه وينسج على منواله»، مبينة أن «مصلحة المحضون مقدمة شرعاً على مراعاة حق الحاضن في الحضانة، ولو أدى ذلك إلى بقاء المحضون عند الأم بعد انتهاء سن الحضانة».
ولفتت إلى أنها تمحص بعناية شديدة أوراق قضايا الحضانة، مستهدفة مصلحة الصغير، حتى تتأكد عن بصيرة من مدى توافر الشروط والضمانات في الحاضن، إذ إن ما يهمها هو تحقيق مصلحة الصغير، وتوفير البيئة المناسبة لتربيته، سواء كان ذلك مع الأم أو الأب، وتقضي في بعض الحالات بعدم نزع حضانة الطفل من أمه عندما يبلغ 13 عاماً، مستهدفة بذلك مصلحته، إذ يكون من الأهمية تربيته وسط أشقائه.
مأساة إنسانية
وكانت شرطة دبي تدخلت لإنقاذ خمسة أطفال تراوح أعمارهم بين عامين ونصف العام و10 سنوات، تركتهم أمهم (مواطنة)، التي تملك حق حضانتهم بعد طلاقها من الأب، في منزل بمفردهم نحو 10 أشهر مع خادمتين من دون رعاية منها. وأبلغ مدير الإدارة العامة لحقوق الإنسان، العقيد الدكتور محمد المر، «الإمارات اليوم»، بأن الأطفال الخمسة، وهم ثلاثة أولاد وطفلتان، يعيشون مأساة إنسانية بكل المقاييس، لافتاً إلى أن أمهم المعنية برعايتهم كانت تتردد على المنزل سراً وتطلب من الخادمة إبقاءهم داخل غرفة أثناء زياراتها السريعة للمنزل حتى لا يروها. ونقلت إدارة حماية المرأة والطفل في الإدارة العامة لحقوق الإنسان، الأطفال إلى منزل الأب مؤقتاً، إلى حين إعادة النظر في أحقية الحضانة، وألزمته رعايتهم، ويتولى فريق مختصّ متابعة حالة الأطفال، خصوصاً في ظل عزوف أفراد الأسرة من الجانبين عن السكن معهم.
وسوغت الأم تصرفها بأقوال متناقضة وغير منطقية، حسب مدير إدارة حماية المرأة والطفل، الرائد إسحاق محمد، الذي أشار إلى أنها ادعت معاناتها مشكلات مالية تعيق رعايتها الأطفال، من دون أن تقدم سبباً مقنعاً حول هجرهم بهذه الطريقة.