دراسة: الإمارات أحسنت توظيف «الذكاء الاصطناعي» في تجنُّب مفاجآت «كورونا»
أكدت دراسة حديثة لمركز الإمارات للسياسات، أن الإمارات أحسنت استغلال التكنولوجيا في مواجهة تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد -19)، من خلال توظيف برامج وتطبيقات وتقنيات الذكاء الاصطناعي في استشراف مستقبل الفيروس، ووضع الخطط الاستباقية للاستجابة السريعة صحياً واقتصادياً ومجتمعياً للتعامل معه.
ودلّلت الدراسة على نجاح الدولة في حسن استغلال الذكاء الاصطناعي في التعامل مع «كورونا» بنموذجين: الأول لإمارة دبي التي نجحت في تطويع التكنولوجيا لتنظيم حركة السكان خلال أوقات الحظر، ما أسهم بشكل كبير في الحد من انتشار الفيروس، بينما تمثل النموذج الثاني في استخدام إمارة أبوظبي لأحدث التقنيات والبرامج العلمية للتنبؤ بمعدلات تسارع وتيرة انشار الفيروس من أجل حشد الاستعدادات اللازمة لمواجهته.
وأفادت الدراسة بأن الإمارات تبذل جهوداً حثيثة في توظيف تطبيقات الذكاء الاصطناعي والحلول الذكية في إطار استجابتها ومواجهتها لتحديات انتشار «كورونا»، لافتة إلى أنه على سبيل المثال استخدمت شركة أبوظبي للخدمات الصحية (صحة)، الذكاء الاصطناعي بالتعاون مع شركة بريطانية للتنبؤ بمدى تسارع انتشار الوباء، وفهم وتقدير احتياجات السعة الطبية والسريرية، وتخطيط كيفية استجابتها للوباء.
وذكرت الدراسة أن شركة «صحة» استعانت بتطبيقات للذكاء الاصطناعي تنفذها شركة «درابر آند داش» ذائعة الصيت في بريطانيا، وهي التطبيقات نفسها التي تستخدمها خدمة الصحة الوطنية في المملكة المتحدة، إذ تؤخذ البيانات من المستشفيات لفهم المستويات المعتادة للطلب على الأسرّة أو رعاية الطوارئ، ثم تُجمع هذه البيانات وتُقارن مع ما شوهد بالفعل من انتشار الفيروس في جميع أنحاء العالم، وتُحلل لمعرفة الاتجاهات والسيناريوهات المحتملة.
ونقلت الدراسة عن الرئيس التنفيذي لشركة «درابر آند داش»، أورلاندو أغريبا، تأكيده أن نظام الرعاية الصحية في إمارة أبوظبي لديه القدرة الكافية على التعامل مع أعداد أكبر من عدد الإصابات الحالية المسجلة في الإمارات جرّاء تفشي وباء «كورونا».
وأشارت الدراسة إلى أن نموذج الذكاء الاصطناعي الذي تعتمد عليه دولة الإمارات يساعد على تقديم رؤى مفيدة ضرورية حول فيروس (كوفيد-19)، تتيح إمكانية توقع اتجاهات الفيروس، بما يمكّن من إعداد استراتيجية أكثر تماسكاً في الاستجابة والمواجهة، كما يُمكّن هذا النموذج من الذكاء الاصطناعي القطاع الصحي في الدولة من تنظيم كيفيات الاستجابة الفعالة لمسائل الطلب على الأسرّة، خصوصاً أسرّة غرف ووحدات العناية المركّزة للمرضى الأشدّ حاجة والأكثر تأثراً بالفيروس.
وقالت: «لأن تحدي نقص المعدات الطبية والأسرّة والضغط على المستشفيات والكوادر الطبية والتمريضية كان من أبرز التحديات التي واجهت دول العالم في استجابتها لانتشار الوباء، فإن أدوات وتقنيات الذكاء الاصطناعي تساعد بدرجة مفيدة المستشفيات والمرافق الصحية الإماراتية على إدارة مواردها في شكل أفضل، والتنبؤ بذلك، وتقليل عنصر المفاجأة أو التخمين ما أمكن».
وفي ما يتعلق باستفادة إمارة دبي من توظيف الذكاء الاصطناعي في مواجهة جائحة «كوفيد–19»، أفادت الدراسة بأن حكومة دبي أحسنت استغلال وتوظيف التكنولوجيا في تنظيم حركة سكان الإمارة أثناء ساعات الحظر وتقييد الخروج إلا للعاملين في قطاعات حيوية، ومن لديهم تصاريح صالحة.
وأوضحت أنه تمت الاستفادة من برنامج «عيون على الطريق» من خلال شبكة من الكاميرات المبثوثة في أنحاء الإمارة وشوارعها، للتعرف إلى الوجه والصوت ولوحة ترخيص المركبات، وفي هذه التقنيات يتم تغذية المعلومات من خلال قاعدة بيانات مركزية كبيرة، ويجري من ثمّ تحليلها، لمراقبة فاعلية الحظر في التقليل من الإصابات بفيروس كورونا ونحو ذلك.
وقالت الدراسة: «تستخدم شركة (نبتة هيلث) – شركة إماراتية ناشئة تعمل في مجال الرعاية الصحية – الذكاء الاصطناعي لتقديم تقييمات المخاطر والأعراض لـ(كوفيد-19)، إذ تستعين بالذكاء الاصطناعي لتشخيص الحالات الصحية الكامنة، لاسيما أنها تؤكد أن التقنيات المتقدمة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي، والتعلم الآلي التطبيقي، وتقنية الـ(بلوك تشين) يمكن أن تساعد في التخفيف من آثار الأوبئة في المستقبل».
وأضافت: «ومنذ الاستجابات الإماراتية المبكرة لمواجهة انتشار الوباء كانت الطائرات بدون طيار (درونز) تقوم بعمليات التعقيم بسرعة وفاعلية، وتراقب مدى التزام الناس منازلهم في أثناء فترة التعقيم، فضلاً عن مراقبة التزامهم سياسة التباعد الاجتماعي، وعدم التجمع والاكتظاظ، كما تستخدم عناصر الشرطة خوذات ذكية تمكّنها من قياس درجة حرارة مئات الأشخاص كل دقيقة، في إطار الجهود المبذولة لمكافحة فيروس كورونا المستجد، ويمكن لهذه الخوذات (التي تحتاج لوقت أقل ومسافة أقصر من أجهزة قياس الحرارة التقليدية) قياس درجة الحرارة من على بعد خمسة أمتار، وتستطيع فحص ما يصل إلى 200 شخص في الدقيقة، كما تصدر إنذاراً في حالة رصد شخص مصاب بالحمى»، مؤكدة أن هذه الخوذات أثبتت فاعلية لفحص الناس في المناطق ذات الكثافة السكنية المرتفعة، بما في ذلك الأحياء المغلقة.
ووفقاً للدراسة، ففي نهاية مارس الماضي أعلنت مجموعة «جي 42»، وهي تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، وتتخذ من مدينة مصدر في أبوظبي مقراً لها، بالتعاون مع مجموعة «بي.جي.آي» المتخصصة عالمياً في مجال حلول الجينوم، عن إطلاق مختبر حديث بقدرات معالجة فائقة لإجراء عشرات آلاف الاختبارات بتقنية «آر تي. بي سي آر» يومياً، لتلبية احتياجات فحص وتشخيص الإصابة بفيروس كورونا المستجد في الإمارات، ليصبح أول مختبر بهذا الحجم في العالم يتم تشغيله خارج الصين، ما أسهم في أن تسجّل الإمارات أعلى معدلات الفحص عن انتشار الوباء داخل أراضيها، قياساً بعدد السكان على مستوى العالم، وفقاً للبيانات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية.
وانتهت الدراسة إلى أنه على الرغم من الوطأة الشديدة والتداعيات السلبية الشاملة التي يخلّفها وباء «كوفيد-19»، فإنه ينطوي كذلك على فرص يمكن استغلالها، ومن ثم فإن ما يتوافر لدى الإمارات من بنية تحتية متطورة وخدمات لوجستية متقدمة، يؤهلها لأن تضع مزيداً من الاستثمارات في دعم البحث العلمي، وإحداث نقلة نوعية نحو اقتصاد المعرفة، وتطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي والطباعة ثلاثية الأبعاد والواقع الافتراضي والواقع المعزز و«البلوك تشين»، ليس فقط من أجل توسيع مجالات تنويع اقتصادها، وزيادة نسبة إسهام الاقتصاد الرقمي في تنويع الاقتصاد الوطني، بل كذلك أيضاً، وفي المسار ذاته في الحقيقة، من أجل تسريع الخطوات الإماراتية باتجاه تحوّل القطاع الصحي إلى مزيد من توظيف تقنيات الصحة الرقمية، وتعزيز آليات دمج الذكاء الاصطناعي في الخدمات الطبية، وابتكار مسارات وحلول استباقية من شأنها تعزيز الرعاية الصحية، كحلقة أساسية من حلقات التنمية المستدامة.
أبحاث وطنية
نقلت الدراسة عن عضو مجلس علماء الإمارات المتحدث الرسمي لقطاع العلوم المتقدمة في الدولة، الدكتور علوي الشيخ علي، تأكيده أن الإمارات تعمل على مجموعة من الدراسات المتعلقة بالتصدي لفيروس كورونا المستجد، منها دراسات تطوير الأدوات الرقمية لتقليل الضغط على المنشآت الصحية، ودراسات محاكاة الانتشار وحركة المصابين. وأشار إلى أن فريقاً مشتركاً من جامعات الإمارات والشارقة وخليفة، يعمل بالتعاون مع شركة «صحة» في أبوظبي وهيئة الصحة في دبي وجامعة غرب أستراليا ومركز العين للإخصاب، على دراسة وفهم العوامل الجينية التي تؤدي إلى شدة الإصابات في الدولة من خلال التسلسل الجيني ودراسته لحاملي المرض، حيث تساعد الدراسة على فهم أعمق لاختلاف شدة الأعراض من شخص إلى آخر، ووضع حلول وخطط استراتيجية لحماية السكان، ومن هم أكثر عرضة للمرض. كما أوضح أن ثمة جهوداً تبذلها جامعة خليفة في أبوظبي من أجل تطوير نموذج أولي لجهاز تنفس اصطناعي لحالات الطوارئ، مصمم بمواد قليلة الكلفة، ويمكن الوصول إليها بسهولة وباستخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد.
«عيون على الطريق» لمراقبة فاعلية الحظر في التقليل من إصابات فيروس كورونا.
عناصر شرطة استخدموا خوذات ذكية تمكّنهم من قياس درجة حرارة مئات الأشخاص كل دقيقة.
نظام الرعاية الصحية في أبوظبي قادر على التعامل مع أعداد أكبر من الإصابات الحالية في الإمارات.