رواتب وهمية في عقود عمل للتلاعب بمكافآت نهاية الخدمة
كشفت أحكام قضائية أصدرتها محاكم مختصة داخل الدولة أخيراً، عن تسجيل شركات ومؤسسات في القطاع الخاص رواتب وهمية في عقود العمل، تختلف عن الرواتب والبدلات التي يحصل عليها العاملون لديها، بهدف التهرب من دفع مستحقات نهاية الخدمة في حال إنهاء خدماتهم، وعدم الالتزام بدفع الرواتب الحقيقية في حال نشبت نزاعات بين الطرفين.
وتفصيلاً، أصدرت المحكمة العمالية حكماً قضائياً بإلزام منشأة للأقمشة بأن تدفع لأحد عمالها 15 ألف درهم عبارة عن رواتب متأخرة، بالإضافة إلى مستحقات نهاية الخدمة وبدلات، علماً بأن الراتب الإجمالي المسجل في عقد العمل لا يتجاوز 1500 درهم، يشمل بدل السكن والمواصلات.
وكانت المنشأة عممت بالهروب على العامل كيدياً، وهو ما دفع العامل إلى رفع دعواه أمام المحكمة. وطالبت المنشأة باحتساب قيمة الرواتب المتأخرة على أساس الراتب الأساسي الموجود في العقد، في حين قضت المحكمة باحتساب الرواتب المتأخرة على أساس الراتب الفعلي الذي كان يحصل عليه العامل.
وفي حكم قضائي آخر، قالت محكمة النقض في أبوظبي إن تقدير الراتب الحقيقي للعامل يقع ضمن السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع، وذلك في حال قدم كل طرف من طرفي علاقة العمل ما يدلّ على الراتب الذي يحصل عليه العامل.
وعلى ذلك أقرت محكمة النقض حكماً لمصلحة طبيب استشاري في إحدى المنشآت الطبية الخاصة، بإلزام المنشأة بدفع 380 ألف درهم عبارة عن رواتب متأخرة ومكافأة نهاية خدمة بالإضافة إلى تعويض قيمته ثلاثة أشهر عن الفصل التعسفي، وبدلات أخرى.
جدير بالذكر أن المستحقات احتسبت على أساس آخر راتب كان يحصل عليه العامل، وشمل البدلات والمنح التي كان يحصل عليها في الشهور الأخيرة من عمله، في ما عدا مكافأة نهاية الخدمة التي تم احتسابها على أساس الراتب المدون في عقد العمل، بواقع ثلاثة أسابيع من الراتب الأساسي في أول خمس سنوات من الخدمة، وشهر عن كل سنة خدمة بعد الخمس سنوات الأولى.
كما أصدرت المحكمة العمالية حكماً بإلزام شركة خاصة بدفع 40 ألفاً و500 درهم شاملة رواتب متأخرة وبدلات وتعويضاً عن الفصل التعسفي، وألزمتها بأن تؤدي للعامل تذكرة سفر عودة للجهة التي استقدم منها حال مغادرته أراضي الدولة، وألزمتها الرسم والمصروفات ومقابل الأتعاب، وهو ما دفع الشركة إلى الاستئناف بداعي أن الحكم استند إلى أن راتب العامل هو 3000 درهم وليس 1000 كما هو مدون في العقد.
ورفضت «الاستئناف» الطعن، فلجأت الشركة إلى محكمة النقض، وقالت محكمة النقض في حيثيات حكمها إن المحكمة العمالية اعتدّت في تقديرها عند احتساب قيمة الراتب بشهادة الشهود، حيث قضى العامل لدى الشركة نحو 11 عاماً على رأس عمله. وكان راتبه عند بداية التوظيف 1000 درهم، وظل عقد العمل من دون تعديل حتى أنهيت خدماته.
وأشارت إلى أن محكمة الموضوع تستقلّ بفهم وتحصيل الواقع في الدعوى، وتقديرما طرح فيها من أدلة ومستندات، حتى إذا كان من بين الأدلة عقد عمل رسمي يشير إلى أن قيمة الراتب هي 1000 درهم فقط، إذ قدم العامل إذن صرف يوضح أن راتبه هو 3270 درهماً، يمثل قيمة راتبه عن شهر مارس ،2008 أي قبل إنهاء خدماته في الشركة.
وأكّد عدد من العمال أن عقود عملهم التي تم إبرامها في بداية توليهم مسؤولياتهم لم يتم تجديدها أو تغيير بعض البنود الواردة فيها، على الرغم من أنها تغيرت فعلياً على أرض الواقع، مشيرين إلى أن أصحاب العمل عمدوا إلى تسجيل رواتب متدنية في عقود العمل للتهرب من دفع المستحقات المالية التي يكفلها لهم القانون عند انتهاء علاقة العمل.
وأوضحوا أن بعض أصحاب العمل يسلمون الرواتب على جزأين، الأول عن طريق التحويل للبنوك، والثاني عن طريق التسليم النقدي المباشر، حتى لا تكون هناك أدلة واضحة على الراتب الحقيقي، يمكن أن يستندوا إليها في حال وجود نزاع بين الطرفين.
وذكر المستشار العمالي يوسف حمد، أن سلطة الجهات القضائية في تقدير مستحقات العامل، تتجاوز سلطات وزارة العمل، إذ تعتمد الوزارة على الأوراق والمستندات الرسمية في تسوية النزاع بين الطرفين، في حين تعتمد المحاكم على أي إثبات من شأنه أن يقنعها بحقيقة المستحقات.
وقال حمد إن بعض أصحاب العمل اعتادوا على تسجيل رواتب وهمية، وفي بعض الأحيان تكون الرواتب رمزية، بهدف عدم التقيد بأية التزامات مالية أمام العمال في حال انتهت علاقة العمل معهم، إذ يتم احتساب مكافأة نهاية الخدمة على سبيل المثال على أساس الراتب الأساسي، غير شامل البدلات.
كما أن هناك اعتبارات قد تتداخل في عملية اللجوء لتسجيل راتب وهمي، من بينها قيمة التأمين الصحي الذي يحدد طبقاً للراتب.
وطالب حمد العمال بعدم الانصياع لأصحاب المنشآت الذين يضطرونهم إلى التوقيع، وطالبهم بالاحتفاظ بأي سندات أو أذون صرف أو كشوف تبين الرواتب الحقيقية التي يحصلون عليها، حتى تكون حجة لديهم في حال تم إنهاء خدماتهم.