نقض حكم بالتعويض لمحامٍ اتهم امرأة بسبّه
نقضت المحكمة الاتحادية العليا حكماً قضى لمحامٍ بالتعويض المادي والأدبي بعد تعرضه للسب والقذف في مكان عام من امرأة، وقررت أن يكون مع النقض إحالة القضية إلى محكمة الاستئناف لنظرها بهيئة مغايرة، على سند أن حكم التعويض الصادر أغفل حق المتهمة في الدفاع، إذ إنها تمسكت في التحقيقات بأنه كان يريد معاكستها ومسايرتها في الحديث، غير أنها لم تعطه الفرصة لذلك، وهو ما اعتبرته المحكمة دفاعاً جوهرياً في القضية كان لابد أن تنظره محكمة الاستئناف.
وكان محامٍ مواطن أقام دعوى على امرأة يطلب الحكم بإلزامها بأن تؤدي له 500 ألف درهم تعويضاً مادياً وأدبياً، والفوائد القانونية بواقع 12٪ على المبلغ المحكوم به، وحتى تمام السداد، على سند من أنه مواطن إماراتي يعمل في المحاماة، وله سمعته بين الرجال المشتغلين بالقانون، وأنه أثناء وجوده بمعرض الكتاب في الشارقة، ولدى مناقشته المتهمة وجهت إليه عبارات سب وقذف، وقالت له «امشي يا حيوان أنت قليل الأدب»، وأدينت بحكم جزائي نهائي أصبح باتاً. وقال شارحاً في دعواه إنه «ترتب على خطأ المتهمة في حقه أضرار مادية وأدبية بالحط من كرامته وضياع كثير من وقته في أقسام الشرطة والتحقيقات والنيابة العامة وإجراءات المحاكمة أمام المحكمة الابتدائية والاستئنافية، فضلاً عن أن المتهمة أهانت زيه الوطني ووصفته بعبارات يعاقب عليها القانون. وقضت محكمة أول درجة بإلزام المتهمة بأن تؤدي للمحامي 70 ألف درهم تعويضاً مادياً وأدبياً والفوائد القانونية بواقع 5٪ سنوياً من تاريخ صدور الحكم نهائياً وحتى تمام السداد، وبما لا يجاوز المبلغ المقضي به. واستأنف الطرفان هذا الحكم وقُضي في استئنافيهما برفضهما، فطعنت عليه المتهمة أمام المحكمة الاتحادية العليا.
وأقامت المتهمة طعنها على سببين؛ الأول على سند أن الحكم لم يبين عناصر الضرر بشقيه المادي والأدبي والتكاليف التي تكبدها المحامي والجهد الذي بذله، وما إذا كان قد وكل محامياً آخر نيابة عنه أم باشر إجراءات الخصومة بنفسه، وقدّر التعويض بطريق جزائي من دون أن يبين المصدر الذي استقى منه ذلك.
ورفضت هيئة المحكمة في جلستها برئاسة القاضي عبدالعزيز محمد عبدالعزيز، وعضوية القاضيين الدكتور أحمد المصطفى أبشر وصلاح محمود عويس، هذا السبب موضحة أنه «من المقرر أن التعويض بقدر الضرر، والضرر يشمل ما حاق المضرور من خسارة وما فاته من كسب، التزاماً بالقاعدة الشرعية التي تقضي بأن لا ضرر ولا ضرار والضرر يزال، وترتيباً على ذلك فإن محكمة الموضوع تكون ملتزمة بتضمين حكمها بياناً للعناصر المكونة للضرر الذي يدخل في حساب التعويض باعتبار أن هذا البيان من قبيل التكييف القانوني للواقع، فيعد من المسائل القانونية التي تهيمن على رقابتها محكمة النقض، ومتى استظهرت محكمة الموضوع في حكمها عناصر الضرر فإن تحديدها مقدار التعويض الجابر يكون من المسائل الواقعية الموضوعية التي تستقل بتقديرها، وتنحسر عنها بالتالي رقابة محكمة النقض، وذلك ما لم يرد في القانون أو الاتفاق نص يلزم باتباع معايير معينة في خصوص مقدار التعويض.
ولفتت المحكمة إلى أن البيّن من مدونات الحكم أنه قد بين عناصر الضرر المادي والأدبي الذي لحق بالمحامي، إذ تمثلت الأضرار المادية في ما أهدره من وقت وما بذله من جهد في محضر الشرطة وتحقيقات النيابة العامة، وفي المحاكمات الجزائية أمام محكمة أول درجة ومحكمة الاستئناف، سيما أنه يعمل محامياً وقد ضاع عليه وقت من الممكن أن يستثمره في عمله بالمحاماة، وأصابته أضرار أدبية من جراء خطأ المتهمة تمثلت في ما عاناه من شعوره بالحط من كرامته بين أهله وذويه من جراء سبها له علانية بالعبارات الثابتة بالحكم الجنائي».
وطعنت المتهمة على الحكم في السبب الثاني على سند أن الحكم شابه القصور والإخلال بحق دفاعها، ذلك أنها تمسكت في كل مراحل الدعوى أمام محكمة الموضوع بأن المحامي اشترك بخطئه في إحداث الضرر، إذ لا يعقل أن تقوم هي من تلقاء نفسها بسبه وقذفه من دون حصول استفزاز منه دفعها إلى ذلك على النحو الوارد بالتحقيقات والملف الجزائي، وطلبت إنقاص التعويض بقدر هذا الاشتراك، غير أن الحكم الصادر بحقها أغفل هذا الدفاع الجوهري الذي لو عُني به لتغير وجه الرأي في الدعوى، الأمر الذي يعيبه بما يوجب نقضه.
وأيدت هيئة المحكمة هذا السبب ونقضت الحكم على أن يكون مع الإحالة، موضحة أنه «يجوز للقاضي أن ينقص الضمان أو لا يحكم بضمان ما إذا كان المتضرر قد اشترك بفعله في إحداث الضرر أو زاد فيه»، وتنص المادة 50 من قانون الإثبات على أنه «لا يرتبط القاضي المدني بالحكم الجزائي إلا في الوقائع التي فصل فيها هذا الحكم وكان فصله فيها ضرورياً»، مفاده أنه إذا شارك المضرور بخطئه في إحداث الضرر المطالب عنه بالتعويض فإنه يتعين على القاضي تحديد مدى هذا الخطأ وأثره في وقوع هذا الضرر ومراعاة ذلك عند تقدير التعويض أو عدم الحكم به.
وأوضحت أن البين من التحقيقات أنها تمسكت بأن المحامي وجّه إليها ألفاظاً نابية «أنت كاذبة وسوف أقوم بتهذيبك»، وأنه كان يريد معاكستها ومسايرتها بالحديث، غير أنها لم تعطه الفرصة لذلك. وهو دفاع جوهري لو عُني الحكم بتمحيصه لجاز أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى، فإنه يكون مشوباً بالقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع بما يوجب نقضه لهذا السبب من الطعن على أن يكون مع النقض الإحالة.